للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأقدر على الحل، لا على أساس أن "السماء" تنحاز إلى طرف واحد دون الآخرين" (١).

يصور "زكريا" الاتجاه الإِسلامي وكأنه يدخل معركة مع خصم ويستخدم الدين معينًا له في تحقيق معركته من بين أمور يستعين بها، بينما الاتجاه الإِسلامي يدخل بالإِسلام ذاته ومن أجله وعلى أنه الأصلح للخلق والأكثر إقناعًا لمن سلم من الهوى والأقدر على الحل، الاتجاه الإِسلامي لا يتخذ الإِسلام كمطية ووسيلة لتحقيق مكاسب أو مآرب كما وقع من الكنيسة مثلًا، فقد أخبر تعالى عن حال الأحبار والرهبان بأنهم أصبحوا أربابًا من دون الله، وأنهم اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا (٢)، فيصدق في حق هؤلاء استغلال الحديث باسم السماء من أجل إضلال الخلق أو ظلمهم، ولكنه يصبح انحرافًا عندما ينتقل هذا الحكم على الإِسلام الذي يقوم على الهداية والعدل والحق، فإن الاستعانة به هي عين الحق، وهذا لا يمنع اشتغال العقل الإِسلامي في معالجة مشكلات عصره أو تطوير أوضاع قائمة أو ابتكار الجديد، وأن تتنافس العقول في ذلك، وفيها الصواب والخطأ والنافع والأنفع والحسن والأحسن، ويقع التنافس بينها، ويكون منها الأقرب للصواب والأنفع للخلق، وقد يقع من المجتهد الخطأ فله أجر اجتهاده ما دام أن ذلك في مجالات لم يقطع الدين فيها بشيء، وما أوسع المجلات التي أمام العقل، ولكن هؤلاء يتركونها ويذهبون إلى ما قُسم أمره من رب العالمين ويريدون وضعها تحت البحث والاختلاف والجدل.

٢ - العلمانية لا تعني اللادينية ولا تعني المادية:

يفترض العقل من مدعي العقلانية بيان ما في المفهوم من حسنات وسيئات، ولاسيّما مع مفاهيم نشأت في بيئات ذات صراع طويل مع الدين، ومن ذلك العلمانية، ومع ذلك فلا نجد لها عند "زكريا" أية سلبية، بل هي مفهوم إيجابي دون عيوب. وعندما واجههم الاتجاه الإِسلامي بمشكلتها اللادينية وبجوهرها المادي، اجتهد في تبرئتها من ذلك، مع أن دعاتها في الغرب إنما يركزون على روحها اللادينية، أما مسألة الفصل بين الدين والدنيا على أنها عملية


(١) الصحوة الإِسلامية في ميزان العقل ص ٥٠.
(٢) انظر: ما كتب حولها أول هذا المبحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>