للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيادية ولا تعني اللادينية فهو زعم بارد لا حقيقة له، فإن باحثًا أعقل من زكريا يُثبت تطرف العلمانية في الغرب، وأنها الآن في طور تشكل جديد تحاول فيه إعادة الاعتبار للجانب الروحي من الإنسان، ولكن بسبب لادينية العلمانية فإنها ترفض أن يكون طريق إعادة الاعتبار عن طريق الدين (١).

يتهم "زكريا" الاتجاه الإِسلامي بأنه يستخدم "اللادينية والمادية" من أجل تشويه العلمانية، وإلا فالحقيقة أن العلمانية لا تعني الأمرين بحسب زعمه، وإنما تعني الزمانية، وكيف يقال: إنها لادينية مع أن العلماني في الغرب مثلًا يتزوج في الكنيسة والعلماني المسلم يتزوج بوثيقة شرعية (٢)، ثم يقول: هي لادينية فعلًا إذا كان المقصود إبعاد الدين عن التنظيم السياسي في المجتمع بينما لا يعني ذلك رفض الدين (٣)، والسياسي هنا يشمل جميع مناشط الحياة باستثناء الجانب الشخصي القلبي أو الروحي بحسب ما عرضه من أمثلة في كتبه.

والحقيقة أنه هنا قد قزم الدين كثيرًا، حتى جعله لا يكاد يرى، ثم حصره في مكان ضيق، وترك الحياة بعد ذلك لغير الدين، ولا أدري هل يوجد ما هو أبلغ من هذا في جعل العلمانية لا دينية إذا كانت بمثل هذه الصرامة مع الدين. إذا كان الاتجاه الإِسلامي بحسب زكريا هدفه تشويه العلمانية باستخدام مصطلح اللادينية؛ فإن زكريا يكذب على العلمانية عندما يبرئها مما لا تتبرأ منه، إن التركيز عند البعض على جعل العلمانية هي الفصل بين الدين والسياسة، فإنما هو يتحدث عن جزء من العلمانية ولا يتحدث عن العلمانية، إن العلمانية هي في الحقيقة رؤية لادينية جديدة، ولا عبرة في تنوع المصطلحات من زمانية أو العالم أو الدنيوية وإنما العبرة في روحها ورؤيتها. فإنها في المقام الأول لم تأت إلا كصراع مع الدين، وضد الدين، وهي لم تأت للدفاع عن دين جديد أو استبدال القديم بآخر، ولكن أيضًا لن تستطيع بسهولة منع الدين جذريًا، لهذا يبقى مثل هذا التلاعب العلماني بإبقاء مساحات غير مهمة يشغلها الدين.


(١) انظر: كلام "أركون" السابق في المثال الثاني، وانظر: إدراك بعض الغربيين الجوانب المظلمة للتجربة العلمانية، العلمانية تحت المجهر، د. عبد الوهاب المسيري ص ١٤٤.
(٢) انظر: الصحوة الإِسلامية. . . . ص ٥٥ - ٥٦.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>