للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأتي في هذا السياق مناقشته لبعض الكتابات الإِسلامية، ومن ذلك نقده لـ"أنور الجندي" عندما قال: إن العلمانية هي ترجمة لـ (secular) وتعني لاديني. فصححها بأنها تعني زمني، ثم قال: "وهكذا يبدأ مفكرنا كتابه الكبير بتشويه أساسي" (١). فلنفرض وجود خطأ في الترجمة الحرفية إلا أن المهم هو الترجمة الاصطلاحية، وفي المعاجم الغربية أنها اللادينية كما في معجم ويبستر، وفيه علماني "دنيوي أو لاديني - pagane worldlg " (٢) ، ولهذا لا نظن أن في المسألة ذاك التشويه الذي يعيق صحة النتائج، وهي أنها في جوهرها لادينية، فأحيانًا لا يهم أصل الكلمة، وإنما المهم هو المفهوم السائد الآن، وهو مفهوم يركز على دنيوية دون دين، ولهذا تُعرف بأنها دنيوية أو زمانية أو من العالم وهذا ما يراه الاتجاه الإِسلامي مشكلتها الكبرى.

على العكس من ذلك فإن ما أخذه "زكريا" على "الجندي" ينطبق على تعريف زكريا أكثر مما ينطبق على الجندي، فإن زكريا عند تعريفه لها بيّن أنها -وإن لم تكن ذات صلة بالعلم حيث الراجح أنها زمانية-، إلا أنه عاد ليربط بينها وبين العلم، ليجعل منها صديقة للعلم، ويربط بين تقدم العلم وتحقق العلمانية، فلما جاء من يربط بين العلمانية واللادينية نفر من ذلك، مع أنها في السياقات الغربية تُربط بالأمرين؛ أي: بالعلم وباللادينية، وإن كان المدقق يعلم أن ذلك غير مُسلّم به بإطلاق، فهو في حاجة إلى تحليل أعمق؛ لأن السياقات الغربية غلب عليها نجاح الاتجاهات العلمانية، فهي من يكتب التاريخ الغربي المعاصر، ولذا فهي تكتبه كما تريد، وتقصي الحقائق المزعجة لها, ولذا فالأقرب أن الكاسب من العلمانية إنما هو اللادينية وليس العلم، والعلم وإن تقدم في الغرب فقد التصق به مشكلات كثيرة بسبب تقدمه في إطار علماني. أما العلم فقد تطور في بيئات متدينة وأخرى علمانية مما يعني أن العلمانية ليست شرط العلمية ولكن الإلحاد الصرف ومحاربة الدين من جهة الفكر لم يبرز إلا مع سيادة العلمانية، لهذا يصل الاتجاه الإِسلامي إلى النتيجة المعقولة: أن العلمانية هي لادينية في جوهرها، وأنها تمثل خطرًا على المناشط الإنسانية بما فيها


(١) المرجع السابق ص ٥٧.
(٢) انظر: جذور العلمانية، د. السيد فرج ص ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>