العلم، وإن تجربتنا الإسلامية المعاصرة إن أرادت السلامة من ثمارها النكدة في الغرب فعلينا بإبعاد العلم عن العلمانية.
أما تبرئته العلمانية من المادية فهي حتى عند "زكريا" تبرئة غير كاملة، فهو يعترف أن الاتجاه المادي قد أسهم في تكوين الفكر العلماني، ولكن يقابله في الغرب الاتجاه المثالي، وهو الأكبر والأشهر في الغرب، كما أن في الغرب إنتاجات روحية هائلة للفنانين والشعراء والأدباء وحتى مكتشفي العلوم، فكيف نطمس كل هذا (١)؟!
ومع اعترافه بأن المادية جزء من العلمانية، إلا أنه يتهم بعض المفكرين المسلمين إما بجهلهم أو بمغالطتهم إن كانوا غير جاهلين، والأصوب أن الفكر الإسلامي لا يجهل هذه التصنيفات في تيارات الفكر الغربي بين مادي ومثالي أو غيرها، وإنما الوصف هنا عندما لا يُراد منه التفصيل فيأتي بالأعم والأبرز، والبارز في العلمانية هو ميلها المادي، أليست تُعرّف بأنها الدنيوية؟ والدنيا يغلب عليها المادي، ليس عنصرًا فحسب، وإنما رؤيةً وروحًا عامة تسود تلك المجتمعات، حيث غفلوا عن الدين والآخرة واكتفوا بهذه الحياة الدنيوية حتى مع المثاليين منهم، فهي مثالية في إطار الحياة الدنيوية فقط.
٣ - العلمانية ضد السلطة الدينية "الكنيسة وشبيهاتها":
يستخدم التيار العلماني مفهوم السلطة لأنه يجده منفرًا، فالناس لا يحبون من يتسلط عليهم، لهذا يستخدمونه بكثرة، وقد جاء هذا في سياق نقاشه لموقف السلطة الدينية من العلم، حيث وجدت أوروبا مشكلتها بين الكنيسة الممثلة للسلطة الدينية وبين العلم، ولم تُرفع هذه المشكلة إلا بالعلمانية، وقد فنّد الاتجاه الإسلامي طريقة إسقاط المتغربين مشكلات مجتمعات أخرى على المجتمع الإسلامي، فالإسلام لم يعرف كنيسة متسلطة وعلماء الإسلام وقفوا مع الحق والعدل والعلم في كل عصر، وهذا العنصر بالذات هو أكبر مبرر قدمه الغرب للعلمانية في سعيهم لتخليص أوروبا من تسلط الكنيسة، وهي حالة واضحة ولا يوجد شبيه لها في العالم الإسلامي.