عندها ينبري "زكريا" رافضًا هذا التفريق بين العالمين، وأن ما في الغرب موجود في العالم الإسلامي، معتمدًا على شواهد شاذة لا تصلح أن تكون دلالة على ظاهرة أو ذاكرًا لشواهد أخرى، الحق فيها لخصوم العلمانية، ولهذا فإن هذا العنصر بالذات سيبقى جدارًا في وجه دعاة العلمانية: بأن المبرر التاريخي في الغرب للعلمانية غير موجود في الحضارة الإسلامية، وكل مقارنة هي مكابرة إن ادعت التشابه، وهي تسقط قيمة الحجج وصاحبها، وهذا ما يؤكده سياق زكريا هنا، فهو يدافع عن التشابه بين الأمرين، ويستشهد على ذلك بشاهد تاريخي وشاهد معاصر، فالقديم ما حدث من اضطهاد للمعتزلة و"ابن رشد" و"السهروردي" و"الحلاج"، والمعاصر ما نجده "في تعامل رجال الدين الإسلامي مع كثير من النظريات العلمية والفكرية الحديثة. فما زال دارون وفرويد حتى اليوم موضوعين في القائمة السوداء لدى جميع المفكرين الإسلاميين، وبخاصة رجال الدين منهم، وما تزال تعاليمهما ونظرياتهما تُلعن كل صباح ومساء على أيدي أشخاص لم يقرؤوا عنهما إلا ما كتبه شركاؤهم في الفكر. بل إن مجرد الإشارة إلى اسميهما، ومعهما ماركس بالطبع، يُعد من المحرمات في أكثر البلاد تمسكًا بالتعاليم الشكلية للإسلام. . . ."(١).
فلنتأمل الآن في مغالطات هذا النص، والذي يُكرر عادة عند دعاة العلمانية، إن رجعوا إلى الماضي رجعوا إلى اضطهاد "المعتزلة" و"الحلاج" وأمثالهم، وإن بحثوا في الحاضر بحثوا في موقف الفكر الإسلامي من "داروين" و"فرويد" و"ماركس"، ولكن أين هي المؤسسة الدينية المتسلطة؟! وأين هو العلم؟! فإنك إن بحثت في الأمرين وجدت أحدهما غائبًا، بخلاف الغرب، فالكنيسة ذات سلطة واضحة وتراتيب معينة مع جهل وظلم، والعلم واضح مع علماء العلوم الرياضية والطبيعية، والصراع بينهما واضح، فهذه مغالطة واضحة. ونزيد من الكشف لتلك المغالطات ببيان أهمية التفريق بين تدخل محمود وآخر مذموم، بين تدخل بالحق والعدل والعلم وبين تدخل يكون بالجهل والكذب والظلم، فالثاني يمنع حتى وإن جاء باسم الإسلام -والإسلام منه براء- كأن توجد هيئة دينية إسلامية نُصّبت دون أن تملك المؤهلات، أما