إذا كان الاعتراض على طائفة أو على فرد أو فكرة بشيء يقرّه الإسلام ويكون على أمر مخالف له، فهذا ليس من الاعتراض على العلوم والمعقولات الصحيحة؛ ولهذا فإن المسلم يقبل العلم النافع ولا يُكذّب العلوم الصحيحة، حتى وإن جاءت من غير المسلمين، ولكن لا يعني هذا قبول كفر الكافر وإلحاده بحجة أنه عالم، ومن هذا رفض الفكر الإسلامي لـ"تعاليم" داروين وفرويد وماركس، فهي فعلًا من التعاليم بحسب اصطلاح زكريا وليست من العلوم، وإلا فالمسلم يقبل النافع ويصدق بالصحيح من علم الأحياء أو من علم النفس أو من علم الاقتصاد، والثلاثة لهم جهود في هذه العلوم، إلا أن ذلك لا يعني أن يقبل المسلمون لا دينيتهم أو إلحادهم بحجة مشاركتهم في هذه العلوم، فإن التعاليم الإلحادية التي ميزت فرويد وماركس ليست من العلم حتى يقبلها الفكر الإسلامي.
إن تحكيم الإسلام في الحياة وجعل الوحي مصدرًا ومعيارًا لا يُعد من قبيل تدخل سلطة الكنيسة، وإنما هذا من كمال الإيمان بالله سبحانه والتصديق بأن قوله سبحانه هو الحق وأنه المصدر وأنه المعيار والميزان، ورفض تعاليم داروين وفرويد وماركس، ليس لأنها من العلوم الصحيحة، وإنما بسبب الإلحاد الذي مدّ جذوره في تعاليمهم فجعلها مظلمة.
٤ - العلمانية تعني الخروج من العصور الوسطى المظلمة:
لهذا المعنى صلة بالمعنى السابق، فكما يحرص هؤلاء على مقارنة وضع الكنيسة بوضع الإسلام، فهناك مقارنة بين العصور الوسطى المظلمة في أوروبا بالعصور الوسطى المشرقة عند المسلمين، يصرّون على التسوية بين المختلفات، ولكن ماذا يُقصد بالعصور الوسطى التي نجحت العلمانية في إخراج الناس منها؟ وهل فعلًا يعود الفضل إلى العلمانية؟ العصور الوسطى هي أسلوب في التفكير يقوم على الاستشهاد بما في الكتب المقدسة أو بما ورد على ألسنة شخصيات مشهورة في الماضي، إنها سلطة النص أو سلطة القائل المشهور (١). وهذا عند المسلمين لا يكون إلا لكلام الله سبحانه ولكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالكتاب المقدس