للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو القرآن والشخصية التي يرجع إليها المسلمون هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان زكريا لم ينصّ ولكن قد يكون الإضمار أحيانًا أبلغ من الإفصاح، وهو يقول قياسًا على الحالة الغربية: "ألسنا في عالمنا الإسلامي المعاصر محتاجين إلى من يقول لنا، كما قال كبار مفكري عصر النهضة وأوائل العصر الحديث لمعاصريهم: إذا كانت الطبيعة أمامكم، ومشاكل الناس والعالم أمامكم، فلماذا ترجعون في كل شيء إلى النصوص؟. . . ." (١).

هنا لابد من التفريق بين العودة إلى نصوص وبين العودة إلى الوحي، وبين العودة إلى أشخاص وبين العودة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، واقتحام الطبيعة ودراستها ومواجهة مشاكل الناس والعالم ودراستها لا تمنع من العودة إلى الوحي؛ فالوحي عند المسلم مصدر المعرفة والتوجيه والعمل، فما كان فيه فهو الكفاية، وكل بحث في غيره بعد ذلك ضلال، وأما الجانب الدنيوي من علوم الطبيعة وغيرها فهي مجال إعمال العقل بكل حرية، المهم أن يكون هذا الإعمال في إطار التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة ومنسجمًا مع أخلاقه وقيمه، المرجعية العليا عند المسلم هي الوحي وليس هذا بمعنى تدخل الكنيسة؛ فإنها تدخلت بالباطل والجهل والظلم؛ ولذا يجب دينًا وعقلًا إيقافها عن عبثها، ولكن ليس البديل هو استبدال الكنيسة الدينية الضالة بكنيسة علمانية تتدخل بالجهل والظلم وتحرم الناس من النور والحق.

وهنا تسقط النتيجة الفاسدة التي توصل إليها "زكريا": "تكون العلمانية ضرورة لازمة لكل مجتمع يتراجع فيه التفكير المستقل ويحل محله التفكير العاجز الذي يرتكن دائمًا على مصدر خارجه" (٢)، وسبب سقوطها أن الارتكان إلى ركن متين ليس طريق العاجز، وإنما طريق الواثق بدين الله والواثق بكلام الله سبحانه، والتفكير المستقل جملة زائفة حيث لا يوجد تفكير مستقل، والمطلب هو الفكر السليم الذي يستند إلى دليل من الخبر أو الحس أو العقل، وأعلاه ما استند إلى الخبر الصادق من الوحي، وما لم يكن كذلك فهو فكر ينزلق في لجج الهوى ولا نجاة له إلا بنور الوحي.


(١) انظر: المرجع السابق ص ٧١.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>