للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - العلمانية ضد إسلامية المعرفة:

يرفض المدافعون عن علمنة العلم مشروع إسلامية المعرفة، وهو رفض مفسر في ظل التصور العلماني عن الدين وعلاقته بالحياة، ولذا يكتفي أكثرهم بلمز هذا المشروع وغمزه والسخرية منه؛ وذلك أنهم إذا لم يُقرّ بأثر للدين يتجاوز الشأن الفردي والشخصي لمن أراده، فمن باب أولى عدم نظرهم حتى في مشروع إسلامية المعرفة؛ أي: أنهم لم يكلّفوا أنفسهم النظر في حقيقة المشروع والآمال المعقودة عليه، ومن ثم مناقشتها لمن أراد الاعتراض؛ والسبب أن الأصل الذي يعتمد عليه مشروع إسلامية المعرفة مرفوض عند المدافعين عن العلمانية، وهذا الأصل هو أن الإسلام ليس شأنًا شخصيًا فرديًا، وإنما هو أوسع من ذلك، كما أن الوحي هو المصدر الأعلى المعتبر عند المسلم.

في إطار صراعه مع بعض المفكرين المسلمين كان زكريا يناقش ما عرضه أحد المفكرين من كون العلمنة تمارس دورها الخطير في فصل الدين عن مناهج التعليم، فيرد زكريا ساخرًا: "ولعل ما يعنيه بفصل الدين عن المناهج، هو أننا لم نعد ندرس في معاهدنا الكيمياء الإسلامية أو علم الفلك الإسلامي أو الجيولوجيا الإسلامية، ولم نطبق الدعوة إلى "أسلمة العلوم" وهي دعوة تتردد بقوة في كثير من الأوساط الإسلامية المعاصرة. . . ." (١)، واكتفى في رده بأن: العلم ينبغي أن يُلتمس في موطن تقدمه ولا أظنه في العالم الإسلامي (٢).

وقد نكتفي في الرد عليه بالقول: إن أية أمة تحترم ذاتها لا تمانع من التماس العلوم في موطن تقدمها ولكن ذلك لا علاقة له بموضوع التبيئة الإسلامية لها، فإن فلسفة العلم تكشف أن العلوم تتأثر بالإطار الحضاري الذي تتطور فيه، ومن المعلوم أن ذلك الإطار يختلف عن هويتنا، وهذا يتطلب من الأمة المسلمة تجاوز النقل الحرفي إلى الإبداع بصورتيه المهمتين: استيعاب تلك العلوم استيعاب القادر على التقدم بها خطوة للأمام، والثانية تصفيتها مما يرتبط بها من تصورات تتعارض مع التصور الإسلامي، ومن المؤكد أن الدكتور فؤاد ليس جاهلًا عن حقيقة المشروع الإسلامي ولكنه متجاهل له بسبب العمى العلماني الذي يوجه تفكيره.


(١) انظر: المرجع السابق ص ٥٨.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>