المثال الرابع: يأتي في هذا الإطار القائم على الدفاع عن العلمنة مواقف لعدد كبير من المفكرين المتغربين، بل قد تكون الدعوى للعلمنة من الجوامع المشتركة لأغلب المتغربين، وبما أن الموضوع بهذا السعة والوضوح فالمقصود هو التمثيل وبخاصة بما له صلة بمزاعم فائدة العلمانية للعلم والفكر، ومن هؤلاء الدكتور حسن حنفي.
ففي دفاعه عن مشروعه العلماني ضد خصومها القائلين بأنها ستقضي على التراث القديم والموروث الروحي والآثار الدينية، يجيب مدافعًا عن العلمانية:"قد نشأت العلمانية في الغرب استجابة لدعوى طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية، وقسمة الحياة إلى قسمين، واستغلال المؤسسات الدينية للجماهير، وتواطئها مع السلطة. . . .، نشأت العلمانية استردادًا للإنسان لحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفضه. . . . لأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير. . . . العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ، تظهر في لحظات تخلف المجتمعات وتوقفها عن التطور"(١)، فهذا النص يعبر عن موقف متطرف، موقف غير مُبالٍ حتى بأدنى درجات التماسك العقلاني، ومثل هذه المواقف المتهورة تأتي في ظل التحمس للآراء والأهواء، وإلا فمن ذاك الذي يجمع بين الدين والعلمانية وهي التي أصلت لموقف ينبذ الدين تمامًا، أما ما ذكر من فوائد لها، فهي ممكنة ولكنها قاصرة، وهي موجودة في غيرها، فلم تتفرد العلمانية بهذه الأمور النافعة، مثل انطلاقة الفكر الحر المثمر وغيرها من الأمور التي أعاقها واقع أوروبا فترة من الزمن.
المثال الخامس: من بين المتحمسين للعلمنة والمدافعين عنها تحت أغطية مختلفة منها الغطاء العلمي نجد "هشام شرابي"، حيث عرض في كتابه المشهور "المثقفون العرب والغرب" لتجارب النخب المثقفة العربية مع الثقافة الغربية، وقد تحمس بقوة لكل توجه نحو العلمنة للفكر والثقافة والمعارف العلمية الجديدة والحياة عمومًا، ومن بين الشرائح التي تكلم عنها "المثقفون المسيحيون" و"العلمانيون المسلمون"، مع تقديمه للمثقف النصراني على العلماني المسلم في
(١) التراث والتجديد، د. حسن حنفي ص ٦٣ مع الاختصار.