للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرته على الحداثة والعلمنة والنظرة الجديدة، وهو واحد من الكتاب الذين تظهر عندهم العلمنة بأبعادها الخطيرة في مجال العلم، ومن ذلك ما نقف معه هنا:

أثناء حديثه عن المثقفين المسيحيين امتدح استقبالهم للوافد الغربي، وذكر سبقهم لعلمنة الفكر والعلوم الجديدة أثناء حديثه عن الشوام منهم ثم من تبعهم من المصريين، وهو مع ذلك يذكر في أكثر من مكان أن لعلمنة المعارف الجديدة أسبابًا أكثر من كونها خدمة للمعارف ذاتها، فهو يبين غرضهم من التمسك "بالعقلانية والمنهج العلمي" في المهاجمة غير المباشرة للواقع المتحكم بهم -أي: الواقع الإسلامي-، ومن هنا كان نشاطهم في علمنة الفكر من أجل علمنة وجودهم الاجتماعي، وذلك من أجل تأهيلهم لاختراق المحيط الإسلامي (١)، فهاشم هنا يلامس حقيقة خطيرة ولكنه يغض الطرف عنها، فعلمنة العلم نشأ أساسًا مع النصارى العرب ليس من أجل العلم ولكن حتى يجدوا منفذًا إلى المسلمين، ومن ثم كانت هذه العلمنة مفتاحًا لهم يُدخلون من خلاله ما يساعدهم في تحقيق وجودهم، سواء كان ذلك بزيادة قوتهم أو بإضعاف المجتمع الإسلامي.

ومن ذلك أن الكتَّاب النصارى قد بحثوا عن أسس أخرى بعيدة عن الدين تفسر الواقع المادي، ووجدوا في المادية واحدًا من تلك الأسس المهمة التي تبعد هذا الواقع عن الدين، وحتى يتسنى عملهم هذا كانت العلمنة أداة مهمة لسحب هذا الواقع من التفسير الديني إلى تفسير مادي يدعي العلمية، متمثلًا آنذاك في المادية التطورية الدارونية، وفي مثل هذه الأجواء يمكن قبول التصور المادي للعالم متحررًا من سيطرة ماورائية، وسيتم بهذا زحزحة المرجعية الدينية الإسلامية التي تمثل للمثقفين النصارى عقبة تصدهم عن اختراق المجتمع الإسلامي بخلاف التفسير المادي الذي يوحد بين معتنقيه ويدمج الجميع في رؤية واحدة مشتركة (٢).

ومثل هذا التحليل صحيح في جملته، وقد سبق في دور الصحافة النصرانية ذكر الأمثلة على ذلك، ولكن الخطير هنا هو موقف كاتب مسلم مثل شرابي من


(١) انظر: المثقفون العرب والغرب. . . .، هشام شرابي ص ١٢٥، ١٢٩ - ١٣٠، ١٣٦.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٤٩ - ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>