ففي الصورة الأولى: يأتي مثلًا دعوى التعارض في مسائل الفلك، وأبرزها نظرية الفلك الحديثة حول ترتيب المجموعة الشمسية وصورة حركتها، وهي صورة أقرب لتوهم التعارض بين موضوعات جزئية؛ أي: موضوع محدد، وهذا النوع هو أقوى ما يمكن أن يقع فيه الالتباس والاشتباه ولكن مسائله قليلة.
أما الصورة الثانية: التي على مستوى الإطار، فهذه برزت مع المذاهب الفكرية وكانت أكثر وضوحًا فيها، ولم يكن خروجها من ميدان أهل العلوم بصورة واضحة، حيث يرى أصحاب هذه التيارات أن الإطار العلمي يختلف عن الإطار الديني، إنهما متعارضان تمامًا ولا يلتقيان في مستوى الحقائق، فالدين يخاطب القلب والوجدان بينما العلم يخاطب الحواس والعقل، الدين مثل الآداب والفنون أقرب للعاطفة والعلم لا علاقة له بذلك، ثم هم آراء بعد ذلك حول أهميته: فمنهم من يرى أنه مهم مثل الأدب والفنون والأساطير لحاجة الوجدان له، ومنهم من يراه وهمًا خطيرًا لابد من التخلص منه، وأبرز صورة للطرفين في المتغربين العرب هما:"الوضعيون واليساريون".
الصورة الثالثة: هي جزء من الصورة السابقة ولأهميتها أفردت، وهي التعارض على مستوى "المنهج"، ويُركز هنا عادة على المعيار الحسي والتجريبي للعلم مقارنة بالجانب التسليمي للدين؛ لاعتماده على الغيب، فكل ما ليس بمحسوس أو لا يمكن التحقق منه فهو يتعارض مع العلم عندهم؛ لأن العلم لم يدل عليه، فجعلوا عدم دلالة المنهج العلمي عليه دلاله على عدم علميته، وبهذا فهو يتعارض مع العلم، مع أنه لا يعني عدم دلالة الدليل المعين على مسألة هو عدم صحتها أو عدم وجودها بإطلاق، فلا تلازم هنا، حيث قد يوجد دليل آخر يثبته، فالمعتبر هنا هو هل يوجد دليل يدل عليه أم لا، فالأدلة تتنوع: منها العقلي الاستنباطي ومنها العلمي التجريبي الاستقرائي ومنها الخبر المتواتر.
أما الصورة الرابعة: فهي أضعفها حجة وإن كانت أكثر الصور حضورًا، وهي القول بوجود تعارض بين الأمر الشرعي "الدين" والنشاط العلمي، فهذا إن وجد في مسائل فلا يُسمى في الحقيقة تعارضًا بين حقائق وإنما هو معارضة لأمر الله سبحانه وشرعه، وهو أمر من الناحية التصورية مُسلّم به في كل الأمم: حيث نجد لكل أمة ثقافة ومعايير قيمية تحدد مسار النشاطات، وربما تكون في صلب القوانين، فلا يسمى هذا تعارضًا، ولكن أهل التغريب يحرصون على جعله