من التعارض، فهو إن لم يكن تعارضًا على مستوى الخبر فهو تعارض على مستوى الأمر الشرعي، ولله الخلق والأمر، فلا يمكن وجود مسألة علمية خبرية تتعارض مع ما أخبر الله به، ولا يمكن وجود مسألة عملية علمية تتعارض مع أمر الله سبحانه.
ومن الأمثلة على الثاني ما تأتي به النشاطات العلمية في ميدان العلوم الاجتماعية أو حتى في مجال العلوم الطبيعية، ومن أمثلتها الحاضرة موقف الشرع من الاستنساخ أو تغيير الجنس أو حتى تحديد نوع الجنين، ومثل ما يقال من تعارض بين علم الاقتصاد والدين أو علم السياسة والدين أو علم النفس والدين أو علم الاجتماع والدين وهكذا مما يرتبط بالجانب الشرعي من الدين، فقد يُحرم الله سبحانه أمورًا مثل الربا، ويأتي علم الاقتصاد ويدعي ضرورته للنمو الاقتصادي، ثم يقولون: إن هناك تعارضًا بين الدين والعلم، علم الاقتصاد يريد التقدم للبشر والنمو وهذا يتحقق بالربا بينما الدين على عكس ذلك، فهذه دعوى باطلة، وهي معارضة لأمر الله سبحانه، ولكن أهل التغريب يدخلونها ضمن التعارض بين الدين والعلم، ويقولون: انظر لمجتمع يقوم على العلم، فهم في الاقتصاد يرجعون لعلماء الاقتصاد وفي السياسة إلى علمائها وفي الاجتماع إلى علمائه، وهكذا، بينما الناس عندنا يرجعون إلى الدين، والحقيقة أن الرجوع عندنا أيضًا يكون في كل بابه إلى علمائه، فيكون عندنا علماء للاقتصاد، ينمو بالأمم والمجتمعات، فالجميع يعود إلى العلماء ولكن الاختلاف هو في الإطار الموجه، فهناك من يجعل إطاره علمانيًا وهناك من يجعله دينيًا.
تمثل الصور الأربع لدعوى التعارض بين الدين والعلم نموذجًا لتحليل الدعوى، تحليلها إلى عناصرها الأساسية، لا أقصد منه الحصر الدقيق بقدر ما أهتم بتحليل يساعدني على تصور الموضوع ومناقشة إشكالاته، فتكون الصور الأربع أنسب لي في بحثي، وهي التعارض على مستوى "الموضوعات" أو "الإطار" أو "المنهج" أو "النشاط".
وإذا كانت الصور الأربع تحلل صور التعارض فإنها لم تحدد بوضوح الموقف الذي سلكوه بعد ذلك، فالموقف مثلًا في التاريخ الإسلامي قد عُرف عند طوائف في قانون التأويل وذلك بتقديم العقل أولًا، أما النقل فيؤول أو يفوّض.