اللفظ ونملؤه بمضمون جديد، ومع أنه أخذ بطريقة أهل التأويل من المعتزلة والأشاعرة، إلا أنه عاد إلى نتيجة تناقض ما أخذ به، حيث عاد إلى القسمة الثنائية، ومنع دخول أحد القسمين على الآخر، وكان الأصح لتجنب كل هذا: أن نحدد ما هو الديني وما هو العلمي؟ وهل هما قطعيان؟ ثم ننظر كيف يتم التوفيق بينهما، وإلا فبهذه الصورة المفتوحة تكون النتيجة التلاعب بالدين بحجة قبول كل ما جاء في الحضارة الحديثة.
وللأسف فكل هذا التنظير لا يخلق شيئًا على مستوى التطبيق حتى لو أبقيناه على المستوى الذي يريده مفكر الوضعية، ومن ذلك ما قاله من أمثلة في أثناء حديثه عن بعض معوقات النهضة العربية، من "عدم القدرة على خلق الروح العلمية كجزء عضوي في رؤيتنا للأشياء بحيث يتعود الناس جميعًا، عن طريق التدريب على رد النتائج إلى أسبابها الحقيقية" وذكر مثالين على ذلك:
١ - كتب البعض عن سبب الانتصار في حرب أكتوبر (١٩٧٣ م): "أن التدريب الجيد والروح الجديدة هما اللذان أديا إلى هذا النصر المبين، فاحتج كتاب آخرون بقولهم: "كيف يكتبون ذلك وينسون عون الله، إذ حضر الملائكة وحاربوا في صفوف جنودنا؟ "".
٢ - "يحتج البعض عندما يرد شفاء المريض إلى مهارة طبيبه المعالج، ويقولون إن الشافي هو الله"، ثم علق:"هذا المنحى من التفكير يعطل، على نطاق واسع تفكيرنا العلمي"(١).
من الواضح أن النظرة العلمية عند هذا المفكر ترجع إلى تحديد سبب النصر بالإعداد الجيد، وشفاء المريض إلى مهارة الطبيب، وهي فعلًا من الأسباب ولا اعتراض عليها عند أهل السنة، وإن كان يوجد بعض طوائف المسلمين يقولون بمذهب الجبرية وينكرون الأسباب. وقد تظهر علوم تنجح في تحديد هذه الأسباب فنرجع الفضل إلى هذا العالم أو ذاك في كشفه للأسباب، ولكن هل هذه النظرة العلمية تتعارض مع إعادتها إلى الرب سبحانه، الذي بيده كل شيء، وهو الفعال لما يريد؟ نعم توجد معارضة لو افترضنا أن هناك من ينكر الأسباب، مع أن العلم عمدته على السببية، فيقع التعارض، وعندها يقوم من
(١) انظر: طريقنا إلى الحرية، د. زكي نجيب ص ٣٨ - ٣٩.