للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توهم هذا التعارض بطلب الحل. ولكن أهل السنة يرون أن الأسباب مؤثرة في مسبباتها مباشرة، لكن من الذي جعلها مؤثرة؟ إنه الله سبحانه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما أهل الهدى والفلاح. . . . فيؤمنون بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، أحاط بكل شيء علمًا، وكل شيء أحصاه في كتاب مبين". إلى أن قال: "ومع هذا لا ينكرون ما خلقه الله من الأسباب، التي يخلق بها المسببات، كما قال -تعالى-: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ٥٧] وقال -تعالى-: {يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: ١٦] وقال -تعالى-: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦]، فأخبر أنه يفعل بالأسباب. ومن قال يفعل عندها لا بها، فقد خالف ما جاء به القرآن، وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع، وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التي في الحيوان التي يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد. كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله، وأضاف فعله إلى غيره، وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولابدّ له من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه، فليس في الوجود شيء يستقل بفعل شيء إلا الله وحده" (١)، وبمثل هذا القول المبني على الفهم والعلم بالوحي يقع التوفيق ويسقط التعارض، فليجتهد علماء العلوم المختلفة في اكتشاف الأسباب لكن دون أن تُجعل هي الفاعلة وحدها.

توجد في المثالين بعض الإشكالات التي تحتاج إلى تصحيح، فإن قوله بحضور الملائكة قول يحتاج إلى دليل، فإن الناس ربما يتساهلون في القول بهذه الأمور المغيبة، وهي من الأمور التي لا تُعلم في الغالب إلا بالوحي، وليس حضورها مما ينفي الأسباب، كما أن القول بأن الشافي هو الله سبحانه لا يعني إنكار السبب من مهارة الطبيب أو القوة المؤثرة الموجودة في الدواء، فكل سبب مؤثر في حصول مسببه ولكن كل سبب مفتقر إلى سبب آخر.

إن الروح العلمية التي يدعو إليها المؤلف هي مما يتعارض مع الدين؛ لأنه


(١) التدمرية، لابن تيمية ص ٢٠٩ - ٢١١، بتحقيق محمَّد السعوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>