فانظر إلى هذا الهوس المادي في قوله:"تتناقض تناقضًا صريحًا مع كل معارفنا العلمية" مع أن بعض الدارونيين يرون بأن الإنسان له وجود مستقل، كما أن هناك من العلماء من يعارض هذه النظرية، فضلًا عن وجود الكثير من المفكرين يرفضونها، فأين نجد لقوله:"كل معارفنا العلمية" مكانًا نضعه فيه؟
أما إذا كان مقصده قصة خلق آدم، فإنها أمر لم يكن ليُعلم إلا بخبر الصادق، وهو أمر لم يأت إلا عن طريق النبوات، ولذا فيقال هل يوجد في العلم ما ينفيها؟ أما قولهم إنه لم يدل عليها، فقد سبق بأن عدم دلالة العلم على شيء لا يعني عدم صحته، فإن العلم له حدود من جهة كما أنه يتطور من جهة أخرى، ومع ذلك فإذا جاءنا شيء من الغيبيات ولا يوجد عليه دليل استقرائي أو استنباطي، فإننا نبحث عن صحة الخبر، وخلق آدم -عليه السلام- مما تواتر ذكره عند أهل النبوات.
والخلاصة أننا مع هذا المثال لا نجد "العلم" حتى نبحث عن حقيقة تَعَارُضه مع الدين وإنما نجد "المذهب المادي"، في صورته الإلحادية الفجة. ولا شك بأن التعارض بين الدين والرؤية المادية الإلحادية قائم إلى أقصى حدوده، بل إن كثيرًا من أهل العلوم يعارضون المذهب المادي إلى أقصى الحدود فمن باب أولى أهل الدين.
المثال الثاني: على دعوى تعارض الإطار والتشريع والتعصب للعلمانية:
يعد الدكتور "فؤاد زكريا"، أحد الرموز الفكرية العربية المعاصرة، وهو من المدافعين بقوة عن العلمانية، والمجادل بقوة للصحوة الإِسلامية حول مشروعها الإِسلامي، وهو ذو صلة بفلسفة العلوم، وله جهود مميزة فيها، إلا أن تعصبه للعلمانية أعماه عن الحق، ومع صلته بالعلم عبر الفلسفة فهو لم يقدم شيئًا حقيقيًا يؤكد إشكالية التعارض بين الدين الحق والعلم الصريح، وتحرك عوضًا عن ذلك في مستوى التعارض بين الإطار الإِسلامي والإطار العلماني، أو في مستوى الجانب العملي والتشريعي.
نجده في المستوى الأول -وفي أثناء خصامه مع الصحوة الإِسلامية- ناقدًا قولها بأن الغرب عرف الصراع بين الدين والعلم فاحتاجت للعلمانية بخلاف الإِسلام، ويردّ بأن ذلك الصراع وقع عندنا أيضًا. ونتوقع أن يذكر شواهد