بحسب المرحلة والعصر الذي قيلت فيه، حتى جاء العلم وبدأ يقدم نظرياته في تلك الأصول نفسها، وقد لا يريح وقد لا يصيب إلا أنه كعلم يقبل النقد والتطور والتصحيح بخلاف الدين الذي لم تثبت صحته أو لم تثبت فائدته.
وهنا أربعة أصول فاسدة:"عدم صحة الدين" و"انتهاء فائدته" و"صحة العلم" و"وشمولية فائدته"، ويغلب عليها مشكلة البيئة التي ظهرت فيها، فإن عدم صحة دينٍ ما لا يعني عدم صحة الدين، فقد برزت في الغرب دراسات نقدية حول دينهم ثبت عندها بطلان كثير من أصوله الدينية، ثم ظهرت الدراسات الإنتربولوجية فاعتنت بالأديان البدائية وربطت هذه بتلك وخرجت بقاعدة حول عدم صحة الأديان وأنها إنتاج بشري -كما سيأتي الحديث عنه في الفصل الأخير- ولا شك أن الدين الباطل تنتهي فائدته المتوهمة سريعًا، ولكن ذلك لا علاقة له بعموم الدين وبالدين الحق، ومن هنا تبقى حاجات بشرية لا يجيب عنها إلا الدين، ومما يدل على هذا: بأن صحة العلم في أبواب لم تؤهله لتلبية تلك الحاجات البشرية حول الوجود وموجده، والإنسان وعمله ومصيره، وغاية الكون وما بعده، والغيب والآخرة، والغايات والقيم، فمع صحة العلم وفائدته في أبوابه إلا أنه لا يوجد علم مطلق يفيد في حاجات البشرية السابقة. فضلًا عن أن العلم حتى في أبوابه لم يجلب فقط الفائدة، بل جلب معه مشكلات ضخمة لم يجلبها غيره في تاريخ البشرية من جهة حجم شرها وضخامته، ويكفي النظر إلى تلك الأسلحة الحديثة وضحاياها في القرن الأخير.
فهذه الأصول الفاسدة جعلتهم يُشبهون الانحرافات التي اخترعها بعضهم في الدين أو آراء وضعوها حوله، مثل تلك التي يخترعها العلماء في مجالات العلوم الرياضية والطبيعية والاجتماعية، ولا يصح هذا التشبيه، فما ابتدع الناس في أبواب الدين هو من الباطل الذي يُرد، أما ما يبدعه العلماء في أبوابهم فإن مقياسه هو مقياس العلم من أساليب التحقق المختلفة.
ولذا فإن الدين الحق لا يستطيع شيء أن يغطي مكانه، أما الدين الباطل فكل ما عندهم هو إثبات بطلانه دون قدرتهم على وضع بديل عنه، وما يزعمونه في العلم إنما هو دعوى لا تصح؛ لأن الأسئلة البشرية التي سبق ذكرها حول الوجود والموجد والإنسان ودوره ومصيره والكون وغاياته وحاله ومصير الوجود مما يُقلق البشر لا يجيب عنها العلم، ويبقى مكتفيًا بأنها مسائل لا تدخل في