إعجابه بكل شخصية غربية ذات موقف حاد من الدين. إن عرض فرويد ليس عرضًا لعلم النفس وإنما هو عرض لأداة يمكن استخدامها في هدم الدين، وهو أمر يُصرّح به أفضل تلامذته.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، أما وقد عُرِّف به فسيأتي دور المنبهرين والتلامذة، إلا أن المزعج أن تجد من المتخصصين في علم النفس من ترجم كتبه دون أن يتكلم بشيء على حقيقة المُترجَم له، وكأن الأمانة والموضوعية تشترط كل هذا البرود، ومع ذلك فهناك أيضًا من فرح بمادة فرويد وترجمها وهو يتوقع منها أثرًا على أمتنا.
المثال الثاني:
أخرجت دار "الشروق" سلسلة لفرويد تحت عنوان: "مكتبة التحليل النفسي والعلاج النفسي" بإشراف الدكتور "محمد نجاتي"، وهو دكتور له نشاطه المميز في حقل علم النفس ومع ذلك فقد ترجم مجموعة من كتب فرويد (١) وأغفل أي حديث عن موقفه الخطير من الدين وأثر ذلك على هذه النفس التي يدرسها، صحيح أنه لم يترجم كتبه سيئة الذكر؛ إلا أنه ترجم كتبه التي تؤسس لنظريته، وفيها مباحث كثيرة هي مدخل لمواقفه الخطيرة من الدين، ومع ذلك لا يوجد أي تعليق.
في المقابل قام "جورج طرابيشي" بترجمة القسم الآخر من كتبه، وأعلن في مقدمة بعضها فرويديته الصريحة، ففي مقدمته لترجمة كتاب فرويد "مستقبل وهم"، وهو أبرز كتاب أفصح فيه فرويد عن موقفه الإلحادي وإنكاره لوجود الرب سبحانه، ورأيه الشاذ نحو الدين، ثم نجد المترجم يذكر بأن هذا الكتاب مع كتابين آخرين "قلق الحضارة" و"موسى والتوحيد" قد ظلّت أسيرة الظل، فلم تترجم للعربية، "وليس عسيرًا أن ندرك سر ذلك الإحجام إذا أدركنا أن الكتب الثلاثة المشار إليها اتخذت من الدين وصلته بالحضارة ومصائره في المستقبل موضوعًا مركزيًا لها"، ثم قال: "والحق أن نظرية التحليل النفسي بمجملها قوبلت في البداية، لاقتحامها عالم الجنس المحرم، بعداءٍ شديد آنًا، وبتحفظ وتشكيك
(١) منها: (الأنا والهو)، (معالم التحليل النفسي)، (الكف والعرض والقلق)، (ثلاث رسائل في نظرية الجنس).