للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما ذُكر سابقًا من أهمية العدل بين المتخاصمين، فإن حقيقة الصراع بين الطرفين أنهما جميعًا كانوا أهل أهواء وأخطاء ولكنها دون أدنى شك تكون شنيعة عندما تكون باسم الدين.

وسنجد بعض المتغربين عند استشهاده بنظرية علمية واعتماده عليها فإن خالفه مخالف، اتهم مخالفه بأنكم ضد العلم وتكررون موقف الكنيسة من العلم، مع العلم بأن الكنيسة لم تكن ضد العلم مطلقًا، وإنما كانت ضد النظريات التي تخالف ما تعتقده من معتقدات وتسكت عمّا لا يخالفها وتسمح بالنشاط العلمي في الجملة، وهذا يظهر من سماحها بكتاب كوبر بشرط تصحيحه وبطلبها من جاليليو أن يجعل نظريته فرضية لا نظرية.

وخطأ الكنيسة هي أنها فرضت أخطاءها على الآخرين وجعلتها عقائد يجب اعتقادها، وتخلط بين الحق والباطل، وبعض ما استشهد به رجال الكنيسة مما هو معروف عند أهل الأديان مثل استشهاد لوثر بقصة إيقاف الرب سبحانه الشمس لنبي من أنبيائه.

وسنجد أن جاليليو قد استمر في الدفاع عن النظرية الجديدة، وهي التي أوصلته إلى المحاكمة، بخلاف نشاطه العلمي الدنيوي فقد بقي قائمًا حتى في ظل إقامته الجبرية.

قد يقال بأن الكنيسة كانت منزعجة من شهرة جاليليو، وتخشى أن يخرج العلماء من خارج إطارها ومؤسساتها، وأنها استثمرت معارضته لعقائدها في محاولة ضربه وإقصائه، وأنها تريد محاربة كل ما أتى به إلا أنها تركز على الجانب الفرضي غير المؤكد في كلامه حتى لا تشوّه صورتها، وتبقى هذه إحدى الافتراضات القوية المحتملة، وذلك لما عُرفت به الكنيسة من طغيان وجهل. ومع ذلك فإنه لم يُعرف عن الكنيسة أنها حاربت العلوم الجديدة التي لا تخالف معتقدات كنسية معينة، وإنما حاربت من أتى بشيء يخالف ما تقرر عندهم عقديًا.

ومن المؤكد بأن تيارات كثيرة جاءت بعد أحداث الثورة العلمية كانت لها مصالح في إبراز التعارض بين العلم الجديد والدين أيًا كان هذا الدين، وتُصوره على أنه تعارض محتوم، وأن العلم يتعصب للعقل والمعرفة وأما الدين فيتعصب أهله للجهل ويحاربون العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>