آلية حل المشكلة وفك الصراع بين الكنيسة ورواد الثورة العلمية:
لقد عمل جاليليو سنين في جامعة "بادوا" أشهر جامعات أوروبا آنذاك، ومما يذكر عنها بأنها قد تأثرت بمذهب ابن رشد القائل بالفصل بين الحقيقتين: حقيقة دينية لها طريقها ومنهجها وأهلها، وحقيقة فلسفية لها طريقها ومنهجها وأهلها، وصياغته لقانون خاص بالتأويل لتطبيقه عند الحاجة من قبل الراسخين في العلم.
أما السائد في أوروبا وعلى المستوى الرسمي للكنيسة: فإن ما تقدمه الكنيسة هو الحقيقة وإن ما يخالفها فهو خطأ، وقد استقرّ الوضع على التلاحم بين اللاهوت والفلسفة لاسيّما بعد اعتماد اجتهادات توما الإكويني.
ولكن الجديد في الساحة الأوروبية هو بروز النظريات والكشوف العلمية، وبعضها يتصادم مع ما تقرر لديهم في اللاهوت، هنا برزت من جديد مشكلة التعارض بين لاهوتهم والعلم الجديد. وقد بدأت بوادر الخلاف بما رصده ذلك الرجل عن جاليليو وأثبت "مخالفته التأويل السلفي للكتب المقدسة" كما يقول، مع العلم بأن التحريف قد لحق بكتبهم المقدسة، وأن عقائد باطلة أُضيفت إلى المعتقد المسيحي، ومن أهمها عقيدة ألوهية المسيح - عليه السلام -، وأن تجسّده كان على الأرض، ولذا فهي معظمة ومقدسة ومركز الكون وثابتة؛ لأن هذا هو ما يليق بالإله، فخلطوا في كلامهم المعتقد الباطل بالتصورات اللازمة عنه.
ولمعالجة هذه الأزمة استخدم جاليليو منهجية التأويل لتقريب النصوص من نظريته أو منهجية التفسير لوضع معنى آخر للنصوص لا يخالف نظريته. والملاحظ أن القائم بالتأويل والتفسير هو عالم الفلك لا رجل الكنيسة؛ وذلك أنه كان في حاجة لتمرير نظريته مع حرصه على السلامة من مخالفة الكنيسة، على أنه يوصف بالتدين أيضًا.
ولكن الوضع تغيّر بعد ذلك بسنين حيث ضعفت الكنيسة، وتمّ إقصاؤها في المجتمع الغربي بعد نجاح الثورات العلمانية، عندها تحولت عمليات التأويل والتفسير من رجال العلم إلى رجال الكنيسة، وأصبحت الكنيسة هي الأضعف والأحوج لمنهجيتي التأويل والتفسير لتمرير عقائدها، ولتسلم قدر الاستطاعة من مخالفة العلم الحديث وأهله، واعتمدت في كثير من النصوص التفسير بالظاهر فيما يتعلق بهذه النظرية.