للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع العلم بأن جزءًا من رجالات العلم وأغلب التيارات الفكرية لم تعد تحترم نصوص كتبهم المقدسة، بل الأوجع من ذلك على الكنيسة أنه بعد ضعفها ترك المفكرون منهجية التأويل والتفسير وتحولوا إلى منهجية النقد، وقد كان أشدّها ما قام به "إسبينوزا" و"شتراوس" (١) وغيرهما، وقد كان مصدر نجاحهما كثرة التحريف والتزييف الذي قامت به الكنيسة، وكان أشدّ ما توجه له هجوم هؤلاء هو القول بألوهية عيسى - عليه السلام - والأقانيم والعشاء الرباني وغيرها، وهي مما يُعلم من دين الإسلام كذبها وبطلانها، وهذا ما يقرّه العقل الصحيح والفطرة السليمة.

وهنا يتضح دور انحراف الكنيسة في فتح الباب للملاحدة وأمثالهم للطعن في الأصول الدينية، كالإيمان بالله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وغيرها، ويتضح بأن الخلاف المزعوم ليس حقيقيًا؛ لأنه قام بين دين محرّف ونظريات تجمع بين الظن واليقين أو الحق والباطل.

والذي يناسب ذكره في هذا المقام بأن "التأويل" وسيلة الأضعف، وأنه ينصب على النصوص الدينية فهي موضع الاشتباه أو التشابه عندهم، ولا يُنزل على النصوص والنظريات العلمية مع أنها قد تكون موضع الاشتباه أو التشابه كذلك، وأنه ما قام التأويل إلا بسبب الثغرات الموجودة في الكنيسة وتحريفاتهم الكبيرة لما جاء من الوحي، وأما الحق فواحد في الأبواب الخبرية، وما ثبت منه فلا يمكن أن يظهر من العلوم ما يعارضه.

ويُظهر هذا التحليل التاريخي للحديث بأن منهجية التأويل تفتح من المشاكل أكثر مما تحل، وهذا يبرهن على عدم صلاحيتها في معالجة القضايا الدينية معالجة حقيقية، ويكفي أنها توحي بعدم صحة النص أو عدم صحة الفهم أو المعنى. ومن الخطأ ما نلاحظه في هذا الزمان من انسياق بعض المسلمين خلف طريقة التأويل لكل ما يتوهمه متعارضًا مع النظريات العلمية من أجل الدفاع عن الدين في وجه طوفان العلوم الحديثة، وذلك أنه يعبر عن الضعف وعدم الثقة بما بين أيدينا من الحق، وهذا سيكون مدخلًا للتوسع في نبذ النصوص والعقائد، والكلام هنا لمناسبة السياق، وإلا فهناك مبحث خاص بقضية التعارض ومنهج الناس في حلّها ومناقشة كل ذلك بإذن الله.


(١) انظر: الحديث عن شتراوس لاحقًا ضمن اليسار الهيجلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>