وفي ختام تحليل الصراع الأول تبرز لنا قضية وأنها كانت خاطئة، فمقولة:"إن الكنيسة عارضت العلم باسم الدين" ليس بصواب، وذلك أن هناك من سيعمم هذه العبارة فيما بعد ويجعل الدين أيًا كان عدوًا للعلم، وأيضًا فإن المنهج الذي استخدمه جاليليو سواء كان تأويلًا أو تفسيرًا جديدًا لم يكن حلًا سليمًا؛ لأنه حافظ على أخطاء الكنيسة حتى جاء من يُقصي الدين بعد ذلك ويبعده عن المجتمع عندما ضعف شأنه وأهله في أوروبا، والمسألتان السابقتان ينبغي الاحتفاظ بهما لفصول قادمة، والآن لنتجه إلى تحليل الصراع الثاني.
ب- الصراع الثاني: سبق في الصراع الأول تخطئة جاليليو من قبل الكنيسة واستسلامه لرأيها، ووعد بالامتناع عن الجهر برأيه، وهذا يعني: أنه سيكون تحت دائرة الملاحظة والمراقبة، وأن أي عمل يعمله سيستفز بعض رجالات الكنيسة.
١ - في هذا الجوّ ظهر مُذنّب في الفضاء، وتكلم عنه جاليليو بكلام، فرد عليه أحد اليسوعيين.
٢ - صنف جاليليو كتابًا أسماه "المحاول"؛ أي: محاولة في المنهج التجريبي، ووجّهه لأحد رجال الدين، وحمل فيه حملة عنيفة على الفلك القديم.
٣ - بعد ثماني سنوات من كتابه "المحاول" أخرج كتابه المشهور "حوار يناقش فيه أربعة أيام متوالية أهم نظريتين في العالم" يقتصر فيه ظاهرًا على سرد الحجج في جانب كل نظرية، مع أن تعاطفه كان مع نظرية كوبرنيك.
٤ - تمت مساءلته فأجاب "أنه ما زال منذ قرار ديوان الفهرست يعتبر رأي بطليموس حقًا لا يتطرق إليه الشك، وكرر هذا الجواب، فكان كاذبًا مرتين. . . ."(١).
لم يحدث جديد في الصراع الثاني، فإن مشكلة النزاع لم تكن حول جهوده العلمية وإنما بقيت حول دفاعه عن النظرية الجديدة في الفلك، ورفضه أن يجعلها فرضًا كغيرها من الفروض أو أن يؤكدها بحجج يقينية تقطع الشك عن الجميع.
والذي يظهر بأن الطرفين كانا يصارعان من أجل حفظ كرامة الوجه كما يقال، وأن الجميع لم يكن همّه الحقيقة بقدر ما كان همه الخروج بأقل الخسائر،