للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر أيضًا بأن الاستفزاز كان سيّد الموقف من الطرفين، فكل طرف يستفز الآخر، وكل ذلك كان على حساب الحق والصواب.

وقد ذكر "يوسف كرم" بأن المخالفين لجاليليو كانوا كُثرًا، فليس فقط الكاثوليك، بل وطائفة البروتستانت وجميع الأرسطوطاليين من مؤمنين وملاحدة وغيرهم، ولذا فالشبهة في حقه أكبر، فخرج حكم الكنيسة بتجريمه، ففي عام (١٦٣٣ م) "أصدرت محكمة التفتيش حكمًا بالإجماع على غاليليو يقضي بسجنه وبإلزامه بالتخلي عن معتقده"، وكان نصه "إننا نقضي ونحكم ونصرح بأنك أنت يا غليليو قد جعلت من نفسك متهمًا بالهرطقة تمامًا، وذلك بسبب تمسكك بعقيدة خاطئة ومضللة، ومنافية لما جاء في الكتاب المقدس، من أن الشمس هي مركز الكون، وأنها لا تتحرك أو تنتقل من الشرق إلى الغرب، وأن الأرض هي التي تتحرك، وأنها ليست مركز الكون". وبعد إطلاق الحكم عليه بأيام تلفظ وهو جاث على قدميه -كعادتهم- في كنيسة سانتاماريا في روما بعبارة الارتداد والتخلي عن معتقده على الوجه الآتي: "أنا غاليليو، في السبعين من عمري وماثل بشخصي أمام القضاء وأمام ناظري الكتاب المقدس الذي أضع يدي عليه بقلب ملؤه الإيمان، أصرح بأني أتخلى عن معتقدي وبأني أكره وأشجب الهرطقة المتعلقة بحركة الأرض" (١).

وهناك اختلاف في الدراسات اللاحقة في سبب الحكم عليه، هل هو علمه ومعتقده الناتج عنه؟ أم أنه شخصه وأسلوبه في معارضة الكنيسة؟ فالمدافعون عن الكنيسة والمائلون إليها يرون السبب الثاني، أما أعداء الكنيسة فيرون السبب الأول. والشخص المحايد يعرف بأن للسببين أثرًا في المحاكمة، إلا أن مجرى التاريخ الأوروبي قد سار لصالح جاليليو ضد الكنيسة، وأصبحت الكنيسة هي من يبحث عن تفسير جديد لنصوص الكتاب المقدس -المحرف- وغلب عليها اعتماد التفسير بالظاهر، وترك الخوض في المجالات العلمية أو مجادلة العلماء.

وبعد تدهور قوة الكنيسة طالب أنصار "جاليليو" الكنيسة بمراجعة حكمها والاعتذار عنه، وقد بقيت عشرات السنين تتهرب من ذلك، وتجد صعوبة في الاعتذار، إلى أن جاء البابا "جون بول الثاني" عام (١٩٨٠ م) فأمر بتشكيل لجنة


(١) انظر: غاليليه أو مستقبل العلم، فيلما فريتش، وترجمة عادل شقير ص ٦١ - ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>