للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجميع، بينما هو يحيل إلى علم يمرّ بأزمة، وتتهاوى نظرياته مع المدارس المتناقضة ولاسيّما فيما يتعلق بالدين.

والأقرب أن هؤلاء في دعوتهم "إلى تطبيق المناهج الحديثة في دراسة الدين باعتباره ظاهرة اجتماعية" هو من منطلق التقليد لما هو جار في علم الاجتماع الوضعي، على أن الخلفيات الموجهة لهذه الدعوة متباينة، فالبعض انساق خلف هذه المقولات بدائع التقليد والرغبة في العلمية والموضوعية من غير وعي بمدى الخطورة التي تؤدي إليها هذه الدراسة من هدم المقومات والمقدسات الدينية، بينما نجد آخرين أصحاب خلفية أيدلوجية ظاهرة للهدم وبحقد على الإِسلام (١). وليس الحديث الآن مع أصحاب الدعوى الهدمية، فإنهم يفرحون بأي مصطلح غامض يساعدهم في تحقيق مآربهم؛ وإنما الحديث مع القسم الأول المقلد والحريص على الموضوعية والعلمية، فيقال لهم بأن الظاهرة الدينية وإن كانت في بعض صورها ذات شكل اجتماعي فإن هذا لا يجعلنا نقبل الفكرة على عمومها؛ لأن ذلك سيقودنا بالضرورة إلى مفاهيم إلحادية؛ لأن المصطلح ظهر مع مجموعة مؤسسين كـ"دوركايم" وغيره ممن لا يقر بالأصل الإلهي للدين، ولهذا فهو يدرسها كظاهرة اجتماعية دون إشكال، أما مع من يُسلّم بوجود أصل إلهي للدين فيختلف موقفه تمامًا؛ لأنه يجد للدين أصلًا إلهيًا ويجد له في الوقت نفسه تمثيلًا اجتماعيًا (٢)، فتحفظ المفكرين الإِسلاميين على مصطلح "الظاهرة الاجتماعية للدين" ليس وقوفًا في وجه المعرفة العلمية للدين بقدر ما هو إزالة الجانب الأيدلوجي الذي فيها، الذي يستثمره خصوم الدين للطعن في الدين.

مر بنا فيما سبق إشكالية تغرّب علم الاجتماع عمومًا وما يخص الجانب الديني منه خصوصًا، وهو تغرب يعترف به حتى أصحاب الخيار العلماني، وأثر ذلك التغرب في استبعاد مصدر الوحي في دراسة الدين وأثره في جعل المكتبة الغربية هي القالب لدراسة الدين بالرغم من اعتراف الغربيين بأزمة حقيقية في ميدان العلوم الاجتماعية. ومرّ بنا اهتمام العلم بالدين، ونشأة قسم خاص منه يهتم بالدين، مع مشكلة الإطار العلماني والفيورباخي الموجه لهذه الاهتمامات،


(١) انظر: منهج البحث الاجتماعي .. ، أمزيان ص ١٩٢.
(٢) انظر: المرجع السابق، أمزيان ص ١٩٦ - ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>