ورأينا مشكلة تحويل الدين إلى "ظاهرة اجتماعية" حتى يمكن بزعمهم دراسته دراسة علمية، فضلًا عن دعوى جديدة يرفعونها تحت لافتة التفريق بين جوهر الدين والواقع الاجتماعي له. تُوصلنا هذه العناصر إلى مشكلة المشاكل وهي تأثر التغريبيين بتلك النظريات الفلسفية لا العلمية في ميدان علم الاجتماع، وسعيهم لإقناع مجتمعاتهم بصحة ما تأثروا به. وهذا البعد الخطير أتناوله الآن بالتحليل النقدي، وأجعل ذلك في ثلاث فقرات هي:
١ - الدين منتج اجتماعي.
٢ - أصل الدين.
٣ - وظيفة الدين.
توضح الفقرة الأولى عدم اعترافهم بوجود مصدر غيبي إلهي للدين، الدين عندهم شيء واحد، هو نابع من المجتمع، ولا فرق في ذلك بين دين وآخر، والفقرة الثانية تبين كيف أوغلوا في تقليد مفكرين غربيين حول أصل الدين، والمراحل التي أعقبت ذلك، والفقرة الثالثة حول تحولهم من البحث عن أصل الدين بعد أن عجز قدواتهم في الغرب للوصول إلى حقيقة موضوعية حول أصله، فانصرفوا إلى الاهتمام بوظائفه، ومن هنا برز الدور الوظيفي للدين، والغالب أن أهل التغريب ينتظرون إعلان الغرب عن تجاوزهم للمجال الوظيفي بعد إعلان الفشل في دراسته إلى مجال آخر، ويستمر التقليد والتغرب.
١ - مقولة "الدين منتج اجتماعي":
توجد مُسلَّمَة توجه البحث الاجتماعي في الغرب تقول: بأن الدين أنتجه البشر، ولا علاقة له بمصدر إلهي. ورغم وجود علماء اجتماع نصارى أو يهود يرفضون مثل هذه المسلمة إلا أن الغلبة في دوائر البحث الاجتماعي هي للملحدين والعلمانيين منهم، وقد وجد هؤلاء في انحرافات النصرانية واليهودية ما يشجعهم على إبراز مسلمتهم دون معارضة حقيقية توقفهم أو تخفف من اندفاعهم. وقد ترسخت هذه المسلمة بسبب إلحاد المؤسسين، فهم جعلوا خيارهم الديني الإلحاد، وعندما نقول: ملحدين فنحن لا نسب أحدهم وإنما نطرح ما يفتخرون به ويدافعون عنه، فـ "كونت" و"ماركس" و"بوخنر" و"دوركايم" وغيرهم من المؤسسين أو المؤثرين في العلم أصحاب خيار إلحادي لا يخفونه