عن أي أحد، ومن السهولة مع مثل هؤلاء أن تكون مقولة "الدين إنتاج بشري" مقولة مسلمة، سواء صرح بها الباحث أم كانت موجهة لبحثه دون تصريح.
وقد يوجد مجموعة تقرّ بوجود الرب سبحانه، ويطلق عليهم داخل إطار الفكر الغربي الحديث بالمؤمنين ليقابلوا فقط الملحدين، وإلا فحتى هؤلاء لا يقرون بالنبوات ومن ثم لا يقرون بالدين، نعم يقرون بوجود الخالق سبحانه ولكن لا يعترفون بالدين، ومن اعترف به فيراه محاولة بشرية للاتصال الروحي بالرب سبحانه، فيكون في النهاية إبداعًا بشريًا.
ويعترض أهل الدين عمومًا كل من جهته بأن الدين هبة من الله تعالى وليس إبداعًا بشريًا، وللمسلم جواب أخص، فهو يرى بأن الدين في الأساس من الله سبحانه، وأن الدين الحق هو أول ما وجد مع آدم -عليه السلام- وذريته، ثم وقع الانحراف عن الدين الحق بعد قرون، حيث بدأ البشر ينتجون انحرافاتهم الدينية ويطلقون عليها وصف الدين، إلا أن تلك الانحرافات نوعان: نوع هو تبديل لدين قائم مثل ما حدث في اليهودية والنصرانية، فأصله وحي وحق ثم حرَّفه أهله بالزيادة والنقصان أو التغيير، وهذا هو الدين المبدل، وهناك نوع آخر ظهر في بيئات لم تصلها الرسالات السماوية ممن يطلق عليهم أهل الفترة، ولكن فطرتهم تحثهم على التدين؛ لأن كل إنسان يولد على الفطرة؛ أي: على الإِسلام؛ أي: أن الإنسان يولد متدينًا ويبحث عن دين ولكنه يقع في شَرَك حدوده البشرية وفي شرك الشيطان، فيخترعون دينهم، وهؤلاء المخترعون وُجدوا في البيئات القديمة، كما أنهم وجدوا في العصر الحديث مع بعض المنكرين للدين السماوي ممن لا يدخلون في أهل الفترة، مثل اختراع "كونت" ديانة الإنسانية وهو داعية مشروع علم الاجتماع في أوروبا، فهذا هو الدين المخترع.
فإذا بحثنا عن المنتج البشري من الدين وجدناه في التبديل والتحريف، إلا أنه ليس دينًا مستقلًا؛ بل له أصله الصحيح المرتبط بالوحي والنبوة، ووجدناه في الدين المخترع سواء نبع من "أهل الفترة" أو نبع من "أهل الإلحاد"، إلا أنه مع أهل الفترة أقرب إلى ملامسة الحاجة الفطرية عند الإنسان، ولكن للإنسان حدوده وللشيطان أثره، فيظهر دينًا يناسب إمكانات مخترعيه، وبظهور الإِسلام الخاتم العالمي تنتهي الحاجة بالاختراع ويبطل التبديل والتحريف.
وعند افتراض حسن الظن -وهو مستبعد تمامًا مع الملحدين- في الحرص