للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العلمية في علم الاجتماع؛ فإن أخطر ما قاموا به هو التعميم الخاطئ؛ أي: الانتقال من الدين المخترع إلى قاعدة أن الدين منتج اجتماعي. لا شك أن الحصول على نتائج عامة هو حلم كل عالم وهي حقيقة كل علم، ولكن في الوقت نفسه أكثر العمليات العلمية صعوبة وأكثرها مزالق، وهي قنطرة أهل الأهواء حيث يجدون فيها فرصة لتسريب رغباتهم سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا. إن الانتقال من الجزئي إلى العام عملية خطرة تساعد على الانزلاق حتى مع حسن النية وأخذ الاحتياطات، فكيف إذا كان الأصل سوء النية والتفريط في الاحتياطات. ومثل هذه التعميمات هي التي دفعت بالمتأخرين من علماء الاجتماع إلى إعلان أزمته، وهو ما لم يحدث في العلوم الرياضية والطبيعية التي تحوي تعميمات صحيحة لا إشكال حولها، ثم تصبح تلك التعميمات قاعدة للتفريعات.

القاعدة الإِسلامية تقلب الموضوع وتقول: إن الدين في الأصل من الله سبحانه، والدين الحق هو الأصل، وهو الأول في الوجود، ولا يمكن أن يكون مصدره البشر، فالدين الحق قد أوجده الله سبحانه في فطرة كل مولود، كما أوجده سبحانه عبر أنبيائه ورسله، ثم بدأ الانحراف فيه وعنه، وهذا الأصل بالنسبة للمسلم دليله واضح في الكتاب والسنة، ولذا كان الواجب على المسلمين في أثناء إدخالهم علم الاجتماع أن يتركوا مسلماته العلمانية ويستبدلوها بمسلمتهم، فإن لم يقبل غيرنا بحجة اعتمادها على النقل فهي حجة لا يسلم لأهلها بها؛ لأن النقل بحسب ما أثبت في الفصل السابق يحوي على الدليل الخبري والعقلي والحسي، ولا نقبل تعميمهم وإن قبلنا ببعض الجزئيات، ففرق بين القول بان هناك أديانًا ثبت من خلال التحليل التاريخي أو التحليل العقلي أو التحليل العلمي أنها من إنتاج بشري، وبين القول بأن الدين منتج بشري.

لم تأخذ طائفة المغتربين بمثل هذه الاحترازات وغيرها، بل انطلقوا من تلك المسلمة دون مناقشة، وهم في الغالب يتكلمون عن تلك الأصول، ثم يدرجون الإِسلام ضمنًا دون قدح في الإِسلام، ومنهم مجموعة مهمة ولاسيّما من تأثر منهم بالوضعية أو الماركسية، يجعلون تلك المسلمات العلمانية أداة لنقد الدين والدعوة إلى التخلص منه، وقد نجح هؤلاء في جعل علم الاجتماع يولد

<<  <  ج: ص:  >  >>