للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين عملت منذ مدة على تحديد ميدان الدراسة وتعريفه، وأنها تنحصر في تيارين: تيار يمكن تسميته تيار المنهج الجدلي، وتيار وظيفي، و"الوظيفي" "يتجه مباشرة إلى البحث عن الوظائف أو الأدوار التي يقوم بها الدين داخل المجتمع، وأثره في بعض النظم والمؤسسات الاجتماعية القائمة، أو في عمليات التغير الاجتماعي سلبًا وإيجابًا. ويمتد هذا الاتجاه إلى دوركايم وكتاباته عن أثر الدين في التماسك الاجتماعي. ."، إلى أن قال: "من الملاحظ أن علم الاجتماع في الوطن العربي، حين يتطرق إلى الظاهرة الدينية، يقصر نفسه على الاتجاه الوظيفي أو الخاص بأثر الدين في بقية الظواهر أو التغيرات الحادثة. ." (١).

يعد كتاب: "الدين في المجتمع العربي" الذي جمع عددًا من الاجتماعيين العرب أبرز النماذج على تطبيق المنحى الوظيفي في دراسة الدين، ومع وجود مشاركين من تيارات أخرى، إلا أن أغلب الدراسات في هذا الكتاب تلتزم بالجانب الوظيفي.

ويتذرع بعضهم بمقولة التقسيم بين جوهر الدين وواقعه، بين جوهر الدين الذي لا يدخل في دراسته وبين الواقع الاجتماعي له؛ أي: في صورته الاجتماعية بعيدًا عن أي ربط بأصله الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد سبق الوقوف مع هذه الذريعة، وأنها أقرب إلى الادعاء. ثم إن أغلبهم يتبع حذو القذة بالقذة الطريقة الغربية، وهي منهجية لا تُسلّم مع أكثر منظريها وأهمهم بحقيقةٍ سماوية للدين، الدين عندهم كما في الفقرة الأولى منتج اجتماعي، ولهذا يغلب عليهم دراسة الدين على أنه يقوم بدورين: دور إيجابي، وهو قليل ونادر، وربما لم يعد له وجود، ودور سلبي، وهو الأكثر الذي تركز عليه دراسات الكتاب المذكور، وتجد بعضهم يصرح بمصدر عقدي لهذه الأدوار السلبية.

وبما أن القوم لا يفرقون بين الدين الحق مع وجوده في الواقع -بحيث لا تصلح مقولة التقسيم بين جوهره وواقعه- ولا بين المبدل أو الوضعي المخترع الموجود أيضًا، فالدين الحق هو خير كله ولا يأتي منه إلا الخير، أما الدين المبدل أو المبتدع أو المخترع الموجود أيضًا فهو ضلال وانحراف، وإن توهم أتباعه فيه الخير أو حصلوا على بعض المنافع؛ فإن ضرره هو المتحتم. كما أنه


(١) الدين في المجتمع العربي، بحث: (الأسس الاجتماعية للظاهرة الدينية ..) ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>