يتضح من الأول والثالث والرابع بُعْده الماركسي، على أن هؤلاء الباحثين عند حديثهم عن وظائف الدين ينجذبون أكثر إلى الأمثلة التي توافق رغباتهم وأهواءهم، بحيث تبقى الأصول التي نقلوها سليمة، وليس المهم صحة الشواهد بقدر ما المهم المحافظة على تلك الأصول المنقولة كما هي، وإلا فإن الدين لا يسوّغ الوقوع في الوعي الزائف، ولا يصح الاستدلال بالدروشة والتصوف على أنه من الأثر الوظيفي للدين، فلابد أن يوجد منهجية علمية صحيحة تفرق بين المختلفات، بين الدين الحق وبين ما ابتُدع فيه، فلا يصح القول بأن الدين هو الذي يسوغ الوقوع في الوعي الزائف، فهذا الحكم العام لا يصح إلا إذا كان هذا هو دور الدين فعلًا، بينما هو في الحقيقة دور التصوف أو القبورية.
ومثل هذا القول غير جديد في جوهره وإن انتسب للعلم الحديث ونظرياته، فجوهره أن الدين ليس له حقائقه الموضوعية ولكنه يؤدي وظائف اجتماعية، فهذا القول هو نفس قول أصحاب منهجية "الوهم والتخييل" وهم "الذين يقولون: إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنة والنار، بل عن الملائكة، بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيمًا محسوسًا، وعقابًا محسوسًا، وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر، لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا، وإن كان هذا كذبًا فهو كذب لمصلحة الجمهور، إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق"(١).
وقد ننتظر بعد أن أشبع هؤلاء الباحثون الجانب السلبي للدين أن نجد اعترافًا بدوره الإيجابي، ومع ذلك لا نجده، ففي بحث عاطف غضيبات عن "الدين والتغير الاجتماعي. ." ذكر أن الدين يكون في صور عائقًا -والأصح أن البدع أو الدين المبدل أو المخترع هو الذي يقف عائقًا- ويكون في صور محركًا مهمًا للتغير الاجتماعي، ثم حاولت أن أجد صورة لدوره المهم فإذا هو يتحول إلى دور سلبي، ولا أدري كيف يرتبط المحتوى بالعنوان، حيث تحول حديثه عن الحركات الإِسلامية وأنها جاءت وليدة أزمة، وأنها بسبب انطلاقها من موقع ديني