للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهمها: موجة الإنسانيين الخارجين على الكنيسة وقيمها، وانشقاق تيارات الإصلاح الديني والحروب المصاحبة لها وأشهرها حركة البروتستانت، وقام ثالثها بين الكنيسة ورجال العلم. ولعل هذا الصراع الأخير لأول مرّة يحدث في أوروبا منذ سيادة الكنيسة الكاثوليكية، فقد كان رجالات العلم هم رجال الكنيسة أو من أتباعها أو من المسالمين لها، إلا أن علماء الفلك بالدرجة الأولى -وإن كان عند بعضهم أكثر من علم- هم أول من أقام هذا الصراع بعرضهم نظرية جديدة وتحمسهم لها ودفاعهم عنها.

وسبق القول بأن الكنيسة لا تعارض العلم، ونشاط العلماء كليًا لاسيّما، وبعض رجالها هم من العلماء في مجالات مختلفة، إلا أن الذي فاجأها هو النظرية الجديدة التي تخالف ما تعتقده من مكانة الأرض لتجسد الرب فيها في صورة عيسى - عليه السلام - كما يزعمون، واستدلالهم بأن الله سبحانه أوقف الشمس لنبي من أنبيائه ولو كانت ثابتة لما كان الإيقاف لها وإنما للأرض، وينبغي أن نعلم بأن بعض اعتراضات الكنيسة كانت وجيهة وذات أصل صحيح وإنْ فُهمت أو فسرت خطأ؛ إلا أن خلط الحق بالباطل من قبل الطرفين أضاع الحقيقة بينهما.

ومنذ إحراق "برونو" وأوروبا محتارة في طريقة معالجة مثل هذه المشكلة، ثم جاءت محاكمة "جاليليو" كأشهر محاكمة في تاريخ أوروبا لتدخل الصراع مرحلة خطيرة، يقول "برنال": "إن واقعة محاكمة جاليليو تميز عصرًا جديدًا؛ لأنها حولت الصراع بين العلم والعقائد الدينية إلى مسرحية درامية" (١)، وعدها "كويستلر" "أكبر فضيحة في تاريخ المسيحية" (٢)، وقد كانت الحلول المقدمة محدودة، وجميعها صعبة، فإما تقديم أحد الطرفين وإلغاء الآخر وهذا لم يعد ممكنًا، أو القول بصواب أحدهما وخطأ الآخر وهذا عسير على الطرفين، أو محاولة التقريب وهو ما فعله جاليليو عن طريق التأويل، ولكن ذلك أغضب الكنيسة، فهي تراه غير مؤهل لفهم اللاهوت والكتاب المقدس.

عندها برز حلّ آخر يظهر أن "جاليليو" حاول عرضه وهو: الفصل بين اللاهوت والعلم، وقد قُبل هذا الحل بعده بسنين عند انتصار الثورات العلمانية


(١) العلم في التاريخ ٢/ ٧٧.
(٢) غاليليه أو مستقبل العلم، فيلما ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>