للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أوروبا، وتمّ الفصل لصالح العلم وأصبح لكل منهما الحق في الوجود وعدم السماح لأحدهما بمنع ما يراه الآخر. وربما كان استمرار الصراع دون حل أحد الدوافع الكبيرة في نجاح العلمانية، يقول "حسن حنفي" عن "جاليليو": "دافع عن الفصل بين اللاهوت والعلم؛ لأنهما مختلفان موضوعًا ومنهجًا وغاية وحتى لا يتعارضا ويتصادما. وبذلك وضع جاليليو أساس استقلال العلم الحديث عن اللاهوت" (١)، وإن كان البارز من سيرة "جاليليو" ميله إلى التوفيق أكثر من ميله إلى الفصل، إلا أن حدث الصراع اتخذ ذريعة فيما بعد لأهمية الفصل بين اللاهوت والعلم.

وإذا كان هذا يكشف لنا السند التاريخي الذي يعتمد عليه دعاة العلمانية في أوروبا للفصل بين الدين والعلم، فهو سند مفهوم لواقعهم التاريخي؛ وذلك أن اللاهوت فيه ما فيه من التحريف والانحراف، وفيه من المزاعم ما لا يقبله عقل ولا يقرّه نقل، ولكنه غير مقبول إن طبق في مكان آخر لا يجد مثل هذه الملابسات التاريخية والمنهجية.

ثانيًا: تكافؤ النظريات العلمية:

كانت النظرية المعتمدة عند الكنيسة في الفلك هي نظرية "بطليموس" القائلة بمركزية الأرض وثباتها، والنظرية الجديدة هي نظرية "كوبر" ومن بعده، والتي دعمها جاليليو والقائلة بمركزية الشمس ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. وقد كان أحد الحلول المعروضة القول: بتكافؤ النظريات؛ لأنه لا يمكن للإنسان العادي التأكد من صحة إحداهما، ولكل واحدة منهما إيجابيات وسلبيات، فلماذا لا تقبل النظريتان، ويقال بهما؟!

إن قضية تكافؤ النظريات كانت قضية يصعب قبولها آنذاك؛ لأنها تعد من اختلاف التضاد الذي لا يمكن الجمع بين طرفيه؛ فالحقيقة في هذا الجانب واحدة فقط، والحقيقة الوحيدة آنذاك هي الموجودة في الكنيسة، وما عداها فلا يمكن قبوله. ولكن فلاسفة العلم المعاصرين يعلمون صعوبة الجزم بأن النظرية؛ أيًا كانت، أنها حقيقة مطلقة، وينظرون للنظريات بأنها أداة تفسير مناسبة في وقتٍ


(١) مقدمة في علم الاستغراب ص ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>