للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما، ولكنها قد تكون مملوءة بالثغرات التي تُعالج مع الزمن أو تستبدل بنظرية أخرى، بل ربما نكتشف بعد زمن خطأَها، وبهذه النظرة الجديدة يمكن القول بتكافؤ النظريات العلمية؛ لأنه لا توجد نظرية تزعم لنفسها بأنها الحقيقة المطلقة، وظهر في الإبستمولوجيا المعاصرة نظرة جديدة لمفهوم الحقيقة العلمية، فهي حقيقة مؤقتة إذا صح التعبير، وما هو حقيقة علمية اليوم قد يكون غدًا خطأً علميًا. بل أكثر من ذلك هناك إمكانية القول بنظريتين حول موضوع واحد، مثل القول بالموجات أو الجسيمات، تفسيرًا لظاهرة حركة وانتقال الأشعة، وكلتا النظريتين لهما من التأكيدات العلمية ما يكفي لتبريرها كحقيقة في المجال العلمي (١).

إذًا فما كان ممنوعًا زمن "جاليليو" أصبح اليوم مقبولًا، وهذا يؤيد عدم التساهل في تقديم النظريات العلمية على ظواهر النصوص الشرعية؛ وذلك أن من قدم ما يظنّه "حقيقة علمية" فهي حقيقة مؤقتة أو حقيقة نسبية، والعلم بعضه ينسخ بعضًا. فمفهوم "الحقيقة العلمية" يختلف عن مفهوم الحقيقة الشائع عند الناس، فالشائع عند الناس أنها حقيقة مطلقة، ويبنون على ذلك أحكامهم ومواقفهم، بينما أصحاب العلم الحديث أو فلاسفته لا يرون ذلك الإطلاق ولا يرون مانعًا من ظهور نظرية جديدة أفضل من الأولى وأقدر على إجابة ما لم تجب عليه الأولى.

أما "جاليليو" فقد دافع عن نظرية على حساب أخرى ولم يفعل ما فعله "كوبر" من جعل الفرضيتين متكافئتين، وقد دفع ضريبة ذلك فيما بعد، وبعد أكثر من ثلاثمائة سنة برز فلاسفة وعلماء من أنصار الفلسفة الوضعية ومن الإبستمولوجيين المعاصرين يدافعون عن موقف "أوزياند" صاحب مقدمة كتاب "كوبرنيكوس" في جعل الفرضيتين متكافئتين، ويعدون "كافة الفرضيات العلمية متكافئة من حيث الأهمية أو القيمة؛ لأنها ليست سوى تعابير مختلفة لا يمكننا اعتبارها صحيحة كما لا يمكننا -وفي الوقت نفسه- اعتبارها خاطئة ما دمنا نفتقر إلى تجارب حاسمة تمكننا من ترجيح أحد الاعتبارين على الآخر" (٢). وهذا النص من أحد الكتب المدافعة عن جاليليو ولذا فهو لا يرى رأيهم، وإن كان


(١) سيأتي الحديث عنها في فقرة (النظرية النسبية ونظرية الكم) نهاية الفصل ص ٢٣٧.
(٢) غاليليه أو مستقبل العلم، فيلما ص ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>