للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعانة بالرياضيات يمكن صياغتها في قوانين ومعادلات تُسَهِّلُ فهم الظاهرة وتمكّن الآخرين من الاستفادة منها، وبهذا أصبح التقدم العلمي مربوطًا بالتجريب والرياضيات (١)، وأسهم ذلك في عقلنة الظواهر الفيزيائية وكشف القوانين المنفصلة التي تخضع لها الأجسام المتحركة (٢)، وحوّل جاليليو -بهذه المنهجية- الطبيعة إلى رياضة كما يقول "هوسرل" وغيره (٣).

وإذا نجح العالم في إيجاد معادلة أو قانون لتفسير ظاهرة طبيعية يبدأ بعدها في قياس حالات عليها أو تنزيلها على عدد من الجزئيات، وبقدر ما تنجح في تفسير كل هذه الجزئيات دون شذوذ تعدّ صحيحة، وعندما توجد حالة تشذ تظهر حاجة المعادلة أو القانون إلى تصحيح أو تغيير.

وقد نجحت قوانين "كبلر" وإضافات "جاليليو" في تفسير كثير من الظواهر الكونية وفهم حركة الأجسام، ولذلك أثرٌ كبير فيما بعد على تطور العلم وتطور الانتفاع به في الصناعة والتقنية وغيرها من أبواب الانتفاع. ولكن جهود كبلر وجاليليو وغيرهما كانت تثير من الأسئلة بقدر ما تقدم من أجوبة، وبقيت الاعتراضات عليها قائمة وعدم انتظامها بشكل دقيق أمر بارز، وستبقى كذلك إلى أن يأتي عالم أوروبا في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، وهو "نيوتن" ليحل كثيرًا من تلك المشاكل، ويفتح في الوقت نفسه مثلها من النقاشات.

ومن المعلوم بأن مفهومي المعادلة والقانون وغيرهما لم يكن الأصل فيها أن تثير إشكالات كبيرة مع الدين، وما كان يخطر ببال مبتكريها من العلماء أنها ستُظهر شيئًا من ذلك، بل هي تعبير واضح على أن خلف هذا الكون -صغيره وكبيره- خالقًا عليمًا حكيمًا سبحانه، خلق كل ذلك عن علم وحكمة وقدرة كاملة، وجعل لكل شيء قدرًا، فسبحان الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى. ولكن فئة أبت أن تنظر من خلال هذا المنظار وجعلت لمفهومي المعادلة والقانون وما في بابهما دلالات أخرى. وقد كان من أهمها وأخطرها ما بنوه من ضلال على القول بالنظرية الآلية -الميكانيكية- للكون.


(١) انظر: الموسوعة العربية العالمية ١٦/ ٣٦٥.
(٢) انظر: تاريخ الفلسفة الغربية، رسل، ترجمة الشنيطي ص ٦٩.
(٣) انظر: مقدمة في علم الاستغراب، حنفي ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>