النقد الإسلامي يظهر في أوروبا الاعتراض نفسه، الموجّه لمنطق أرسطو ومنهجه مع الدعوة إلى التخلص منه في باب العلوم والبحث عن منهج جديد، هو ما أطلق عليه فيما بعد المنهج التجريبي وعمدته على المشاهدة والتجريب والملاحظة ثم التعبير عن ذلك بصيغ رياضية ورموز جبرية.
وقد أثبتت بحوث كثيرة -من الشرق والغرب- بأن الغرب مدين للمسلمين بالمنهج التجريبي، فهم من أرسى دعائمه الأولى بعد النقد الكبير الذي وجّهوه للمنهج الصوري الأرسطي، ثم تعرف عليه الغرب في نهايات عصورهم الوسطى وتعلموه وطوروه في حركة الترجمة المعروفة لعلوم المسلمين. ثم جعله علماء أوروبا منهجهم العلمي المعتمد، وانطلق به كل عالم في ميدان علمه فحققوا نتائج كبيرة.
وقد تسبب هذا المنهج في إيقاف الطريقة المدرسية السائدة في عصورهم الوسطى، وكان عمدة تلك الطريقة على متون فلسفية وعلمية تُشرح مرارًا وتعاد تكرارًا. ولكن بعد هذه الثورة المنهجية أصبح العلم ليس شرحًا للقديم وإنما اكتشاف الجديد، أو إضافة تصويبات للقديم. وأصبح مصطلح العلم مرتبطًا بمن يكتشف جديدًا أو يطور علمًا قائمًا، أما ذلك الذي يفهم العلوم الموجودة ويشرحها فلا يسمى عالمًا حقيقة. وأصبح ذلك سمة من سمات العلم الحديث، حيث تجد كل باحث شديد الحرص على إضافة الجديد أو تطوير القديم أو تصحيح أخطائه أو سدّ ثغراته، والعالم هو من يكتشف علمًا جديدًا، أو قانونًا جديدًا، أو نظريةً جديدة، وهكذا ظهر مصطلح التقدم تعبيرًا عن مواصلة الاكتشاف والتجريب وما يرتبط بذلك من تغيرات تصيب المجتمعات. وأحد أهم الأسباب التي أعطاها الله لهم هو حصولهم على منهج التجريب من المسلمين وتخلصهم النسبي من منطق أرسطو ومنهجه، وكان هذا أحد الأسباب المنهجية في التقدم العلمي الحديث، ومع ذلك فقد أغراهم بهجر كل قديم بحجة عدم علميته، حتى وإن كان الدين والقيم فوقع الغرب فيما بعد في أزمات، واختلط التقدم بأضرار كبيرة توازيه.
وإذا كان هذا الوضع يصح على حالهم؛ لأن العلم المدرسي لا نفع فيه، فما هو إلا شرح أو محافظة على ما لا نفع فيه، أما في العلم المنزل من السماء والذي أكمله الله سبحانه برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ