للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلتبس على الناس، وحاول الإجابة على تساؤلات المتسائلين، وأهمها الدائر حول حقيقة اعتقاده من قضية علاقة الرب سبحانه بهذا العالم، وذلك أن النظرة الآلية والميكانيكية للكون تجعله يتحرك دون عناية إلهية وتدبير سماوي.

ومما حاول إضافته عن علاقة الرب سبحانه بتصوره الذي قدمه عن العالم: بأن قصَرَ تفسيراته الميكانيكية على العالم المادي، وأن هذا العالم يدل على أنه موضوع وفق نسق مميز، مما يعني بأن هناك من جعله على هذه الصورة، ولابد أن هناك من حركها، ثم إن في النظام الشمسي شذوذات في المسلك يصححها تعالى دوريًا كلما ظهرت، وتنازل عن مبدأ عدم فناء الطاقة، حيث افترض بأن العالم يفقد بعض طاقته بمضي الوقت، وستنفد ما لم يتدخل الله ليرد لها قوتها (١)، ومن عناية الله بهذا الكون ما أوجده من جاذبية بين أجسامه ليحافظ بها على وضعه كما سبق.

في هذا الموطن بالذات يقع الخلط والإشكال، وتظهر مشكلة العلاقة بين الدين والعلم؛ لأنه انتقل من نظريته إلى الحديث عن الرب سبحانه، وعن ربوبيته، وأفعاله سبحانه، يعرضها بصورة ضبابية تبدو كالآتي: كأنه يعد نظريته الكشف النهائي، وأن الشيء المطلوب بعد اكتشافاته هو في تنزيل ما يمكن تنزيله من أفعال الله بهذا الكون وفق ما اكتشفه، ومثالًا فما دام هناك شذوذات ستكون وظيفة الرب سبحانه هو في تصحيحها، ونلاحظ هنا أن من يضع هذه الوظائف هو نيوتن وفق ما يقترحه ويراه مناسبًا، ولهذا سَخِر منه فيلسوف ألماني "لايبتنز" معاصر له حول اعتقاده في الله؛ إذ صوره -تعالى الله عن ذلك- "كعامل غير بارع يحتفظ به كي يقوم بتصحيح أخطائه" (٢). وهذه الصورة المنحرفة عن الرب سبحانه هي أحسن حالًا من صورة أشدّ انحرافًا ورثت عن آلية ديكارت المقترحة حول نظام العالم "حيث كانت الحاجة إلى الله -سبحانه- تتمثل فقط في إعطائه الدفعة الأولى للكون. . . . وهذه فكرة شديدة الخطر من حيث إنها فكرة تخرج على الربوبية التقليدية، علمًا بأن ديكارت استند بشدّة إلى الله بوصفه الضامن


(١) انظر: كتب غيرت الفكر الإنساني، الشنواني ص ١٧٣ - ١٧٤، وانظر: إسحاق نيوتن والثورة العلمية، جيل ص ١٠١.
(٢) انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>