للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه المرحلة ظهر تيار جديد أطلق عليه تيار التنوير أخذ على عاتقه الدعوة للعلمانية وإضعاف قيمة الدين في حياة المجتمع والدعوة للحرية والعقلانية، وقد كان مركزه فرنسا وانتشر بعد ذلك في أغلب بلاد أوروبا في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. وكان من أشهر شخصيات هذا التيار فولتير، وقد أخذ على عاتقه التعريف بنيوتن ونظرياته ونشرها، حتى إنه عُدّ أهم الشخصيات التي أسهمت في تعريف فرنسا بنيوتن وعلمه ومنهجه (١).

وعرفت أيضًا أوروبا في هذه المرحلة فيلسوفًا مشهورًا "كانط" كان له أثره في تكوين فلسفة جديدة "الفلسفة النقدية" وغلب تأثيره على أكثر التيارات الفكرية التي جاءت بعده، حتى إن هناك من يفرق بين مرحلتين في الفكر الغربي، قبل كانط وبعده. فهذا الفيلسوف أقام أغلب أصوله الفلسفية على نسق نيوتن العلمي والفلسفي والمنهجي، ومن كتبه مثلًا: "التاريخ العام للطبيعة، ونظرية السماء: دراسة للنظام والأصل الميكانيكي للكون، وفقًا لمبادئ نيوتن" (٢)، وقد أوضح "محمد وقيدي" في بحثه عن نظرية كانط في المعرفة (٣) أثر نسق نيوتن على كانط؛ ذلك أن فلسفته عاصرت النسق الفيزيائي النيوتني "فاستفادت من معطياته في بناء نظريتها في المعرفة" (٤).

فهذه أربعة تيارات، اثنان منها قبله "العقلي والتجريبي" وقد أُعجبا بنسقه، واثنان معه أو بعده التنوير والنقدي الكانطي أعجبا به أيضًا.

وهناك تيار خامس سيكون أكثر شهرة في القرن اللاحق وهو "التيار المادي" الذي يرى بأن المادة هي الأصل، وهي فاعلة مؤثرة بنفسها، ومن مصادرها العلمية المزعومة الصورة الحتمية البادية في الصورة الآلية والميكانيكية في نظريات نيوتن (٥)، فقد ولّدت نظريته نزاعًا كبيرًا بين تيارين حول الحتمية


(١) انظر: كتب غيرت الفكر الإنساني، الشنواني ص ١٧٣، والعلم في التاريخ، برنال ٢/ ١٣٦، وتاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص ١٨٥ - ١٨٦ ونفس الكتاب تحدث عن "منتسكيو" ص ١٩٠.
(٢) انظر: كُتبه التي عرضها د. زكريا إبراهيم، عبقريات فلسفية -كانط أو الفلسفة النقدية ص ٢٦١.
(٣) انظر: ما هي الإبستمولوجيا، محمد وقيدي ص ١٤٣ - ٢١١.
(٤) المرجع السابق ص ١٩٩.
(٥) سيأتي عرض ذلك لاحقًا، في القرنين الأخيرين، لاسيما مع النظرية الكمية ص ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>