واللاحتمية شبيهة بمسألة الاختلاف بين الجبرية والقدرية، حيث كانت نظرية نيوتن في الجاذبية مفتاحًا للمذهب الحتمي، ومؤيدة لأصحاب المذهب الآلي المادي وبقيت الأشهر حتى برزت نظرية "النسبية" و"الكوانتم" في الفيزياء المعاصرة لتميل لصالح المذهب اللاحتمي، وهذا شاهد واضح على أثر النظريات العلمية في الفكر.
وأخطر ما زعمه التيار المادي اعتمادًا على النسق النيوتني بأن آلية الكون وسيره وفق نظرية الجاذبية، تدل بأن الكون يتحرك بقوانينه الخاصة دون حاجة إلى حفظ إلهي لها، ووصل بهم الأمر إلى إنكار وجود الرب أصلًا، والقول بأن المادة هي الفاعل الوحيد التي عُبر عنها في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر بالطبيعة، فهي الموجدة لكل شيء والفاعلة لما تريد. وستقوم المادية بتحويل تصور نيوتن حول نظريته في الجاذبية، فهو يفسر بها ظاهر الكون ويرى أنها من وضع الرب سبحانه لحفظ نظام الكون الذي خلقه، ولكنها مع الماديين تتحول إلى صفة من صفات الطبيعة والمادة، ويرون بأن عالم المادة يتصف بصفات يُوجد بها ذاته ويُسيّر بها نظامه. وهذا التحول الخطير سانده بعض المنتسبين لدائرة العلم في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وكان أشهر من أظهر ذلك البيولوجي داروين وسيأتي بيانها لاحقًا. والمهم هنا أن نظريات نيوتن أصبح لها تأثير كبير، وأن العلم مع نيوتن بدأ يستقل بذاته ويكوِّن شعبية تنافس المذاهب الفكرية المعهودة والعلوم الموروثة، وبدأ المنهج الجديد في البحث والنظر يفرض حضوره يومًا بعد يوم، وبدأت العلوم تتطور بسبب ذلك، ولكن هذه الشهرة للعلم جلبت إليه أهل الأهواء والأيديولوجيات ليوظفوه في خدمة مذاهبهم.
لقد استقطب نيوتن الحياة الثقافية والفكرية والدينية في الغرب، ورغم قلّة إنتاجه وانصرافه إلى السياسة آخر حياته ثم الدين، إلا أن نسقه أثّر كثيرًا ولأكثر من قرنين، وفي ذلك يقول محمد الجابري: "ويمكن القول بصفة عامة: إن الفكر العلمي بمختلف جوانبه ومنازعه -وكذا الفكر الفلسفي- قد بقي، طوال القرنين الماضيين، يتحرك داخل البنيان الذي شيّده نيوتن، وذلك إلى درجة أن الأفكار والنظريات العلمية التي ظهرت خلال المدّة المذكورة، لم تكن تقبل، أو على الأقل لم يكن ينظر إليها بعين الارتياح والرضا، إلا إذا كانت مندرجة في النظام