للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيحل هذه المشكلة، فالإنسان وإن كان حقيقته حيوانًا متطورًا بحسب نظريته، إلا أن لديهم أملًا بأنه بالعلم سيتطور ويصارع ويعيش حياة أفضل. وصاحبَ ذلك ما يراه الناس من تطور تقني متسارع واكتشافات صناعية مذهلة، أغلبها يصب في مصلحة الإنسان ونفعه، أنستهم نسبيًا الحضيض الذي وضعهم فيه. إذًا فالعلم كما يتوهمون هو عقيدة المستقبل، وهو الوحيد القادر على إسعاد البشر. في جوٍّ متفائل كهذا جاءت اكتشافات جديدة خيبت الآمال وأوجدت من الآلام أكثر بكثير مما كان يتوقع من العلم، وما زال هذا النوع من الاكتشافات في ازدياد. فمن بين مكتشفات "أينشتين" ما توصل إليه من علاقة بين الكتلة والطاقة، وليس المقصود بحث جانبها العلمي هنا بقدر أن المقصود التأمل في علاقتها بالنظرة المتفائلة التي أسقطت من حسابها كل شيء حتى الدين والقيم مكتفية بالعلم القادر على سدّ حاجاتنا.

فقد توصل "أينشتين" من خلال دراسته لمفهوم الكتلة وعلاقتها بالطاقة في ضوء التصور النسبي الجديد إلى معادلة حول تلك العلاقة، صُنع على أساسها فيما بعد القنبلة الذرية. فبحسب هذه المعادلة فإنه يمكن استخراج طاقة مهولة من جرام واحد، فإن أردت أن تعرف قدر طاقة من جرام واحد من "اليورانيوم" مثلًا، فما عليك سوى ضرب هذا الجرام في مربع سرعة الضوء لتخرج لك كمية هائلة من الطاقة يمكن أن تحرق بها مدينة كاملة عن بكرة أبيها، كما يمكن أن تزود هذه المدينة بوقود من هذا "الجرام" لمدّة سنة (١)، وبِحُسبة بسيطة للمقارنة، فإن هذا "الجرام الواحد" يعطينا طاقة "حرارية وضوئية" تعادل تلك التي نحصل عليها بإحراق ثلاثة آلاف طن من الفحم الحجري (٢).

إن هذا الاكتشاف العجيب يُعد جزءًا من عالم الفيزياء الحديثة، وهو يفتح أبوابًا من النقاشات ما زال بعضها مستمرًا إلى اليوم، وكان الأصل أن يكون أولها الاعتراف بالخالق سبحانه وتعظيمه والإيمان به؛ فإن وجود مثل هذه الحالة لهي كافية لإيقاظ القلب وتذكيره بربه، فإذا كان الجرام الواحد يخرج منه كل هذه الطاقة المذهلة الكافية لمسح مدينة من على وجه الأرض أو إعطائها ما يكفي من


(١) انظر: أينشتين والنسبية، مصطفى محمود ص ٦٥ - ٦٦.
(٢) انظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>