للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثاني: النظرية النسبية وتيارات الفكر المعاصر:

ليست النظرية النسبية حديثًا عابرًا يمرّ دون أثر، وإنما هي أهم معالم العلم المعاصر، وجذبت أغلب التيارات المعاصرة إليها بالسلب أو الإيجاب، وبما أن الفصل يبحث في أثر النظريات على الأفكار أو علاقتها بتيارات الفكر، فسأذكر هنا بعض ملامح تلك العلاقة معتمدًا في ذلك على العرض الذي قدمه الدكتور "بدوي عبد الفتاح محمَّد" في كتابه: "فلسفة العلم" (١)، والغرض فقط بيان حجم ما أثارته النظرية في الفكر المعاصر، وسأقتصر على أربع فئات هي الأشهر في الفكر الغربي "علماء في العلوم الحديثة والفلاسفة والمتدينون والساسة":

١ - موقف العلماء:

انقسم العلماء باختلاف تخصصاتهم حول النظرية إلى قسمين: فقسم أبدى إعجابه الكبير بالنظرية عادًّا إياها نظرية مدهشة، وقسم آخر رفضها أو توقف فيها أو عدّها أقرب إلى مجال الفلسفة من مجال العلم؛ لأن أغلب مفاهيمها الرياضية لا يمكن إثباتها بالتجربة أو ملاحظتها وفق معايير العلم التجريبي (٢).

والمتأمل لهذا الاختلاف من خارج دائرتهم يقوده ذلك إلى نتيجة مهمة تتعلق بموقفنا نحن المسلمين من النظريات العلمية، ومفادها: بأنه ما من نظرية علمية إلا واختلف أهلها -أي: أهل التخصص في المجال التي ظهرت فيه- قبل غيرهم، وهذا يعني أن النظرية ليست من قبيل الحقائق الواضحة أو المطلقة، ولو كانت كذلك مع الزعم بأن دلائلها يتساوى الناس في فهمها لما وقع كل هذا الاختلاف على الأقل في دائرة العلم ذاته، فنحن نرى العلماء يقبلون الحقائق التي جاء بها ومعادلاتها الرياضية، ولكن فريقًا يتوقفون مع النسبية الخاصة وهم مع النسبية العامة أكثر اختلافًا وتوقفًا.

وليس مقصدي هنا الميل لجانب دون آخر أو الحكم بصوابها أو خطئها، وإنما المقصود بأن النظرية العلمية منظومة كلامية علمية مجملة تحوي في طياتها


(١) توجد كتب كثيرة تحدثت عن صور آثار "النظرية النسبية" لكن هذا المرجع يتميز بالترتيب والشمول مستفيدًا من كتب فرانك أحد المهتمين بتأثير نظريات الفيزياء على الفلسفة وهو: فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح محمَّد، دار قباء، مصر، طبعة ٢٠٠١ م.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٥٤ - ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>