للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصواب وغيرها مما سيأتي في فصول قادمة بإذن الله مع تحليله ونقده، مع العلم أن أكثرها قد لا يرتبط بالنظرية النسبية إلا في كلمة نسبية.

٢ - الموقف الفلسفي:

رغم كثرة مذاهب الفلسفة ومدارسها إلا أن هناك تقسيمًا له شهرته في تاريخ الفلسفة قد يساعدنا في تتبع آثار النسبية في الفلسفة، وهو تقسيمها إلى مثالية ومادية.

فأما التيار المثالي العقلاني فقد رحب غالبًا بهذه النظرية لنزعتها اللامادية؛ فمن ذلك مثلًا إثباتها لواقع غير مادي، وفي هذا ردٌّ على الماديين الذين لا يرون العالم إلا مادة، بينما في النظرية ما يدل على أن هناك كيانات غير مادية تؤثر في الأجسام المادية، وإنْ ثقُل وزنها مثل تأثير انحناء الفضاء في الأجرام السماوية، وأقصت مفهوم تأثير الطبيعة والمادة على العقل، وبدأ العلم المعاصر في الجملة يبتعد رويدًا رويدًا عن المادية والآلية.

وفي المقابل فإن التيار المادي لم يسكت عن استدلالات المثاليين وردّ عليها بردوده، ثم منهم من حاول سحب النظرية لتؤيد المذهب المادي، ومنهم من رفض النظرية لإحساسهم بحقيقة معارضتها للعقيدة المادية التي هم عليها، لذلك سارع عدد من المفكرين السوفييت باتهام النسبية بأنها نظرية رجعية دوجماطيقية، تعود بالعقل الإنساني إلى عصور الروحانيات والتصورات الميتافيزيقية (١).

ورغم الاختلاف بين التيارين فإن مفاهيم فلسفية حول "المكان" و"الزمان" و"الحتمية" و"الحرية" وغيرها بدأت تأخذ مسارًا جديدًا في ضوء النظرية النسبية وصاحبتها الأخرى الكوانتية، وبدأت الفلسفة المعاصرة تنظر لهذه المفاهيم نظرة جديدة. وإذا كان فيلسوف العقلانية في القرن (١٢ هـ) الثامن عشر "كانط" قد بني فلسفته على "الزمان المطلق" و"المكان المطلق" كما وجدها عند عالم الطبيعة نيوتن، فإنهما لم يعودا مطلقين بل أصبحا نسبيين، ونجد أغلب فلسفات العصر تتحرك في ضوء هذا المفهوم الجديد للزمان والمكان.


(١) انظر: فلسفة العلوم، لبدوي ص ٢٥٨، ٢٦٥ - ٢٧٠، وانظر: فلسفة العلم، فيليب فرانك ص ٢٢٦، ترجمة علي ناصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>