للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرّت ظلالها إلى مسألة الدين ذاته فلم يعد بالإمكان اتخاذ أحد الموقفين، مع أو ضدّ، وإذا كان مقياس التدين هو الإقرار بالنبوات، فإن أمثال هؤلاء لا يلتفتون لذلك، وإنما الإيمان عندهم ضد الإلحاد، وهو الإيمان بوجود الله سبحانه فقط، ومع ذلك فحتى هذه المسألة لم تكن أجوبته فيها واضحة، ففي جوابه عن سؤال: هل تؤمن بالله؟ قال لسائله: "إن سؤالك هو أصعب الأسئلة في العلم فهو ليس بسؤال يجاب عنه بنعم أو لا. أما أنا فلست ملحدًا. . . ."، ومما قاله: "إن العقل البشري مهما بلغ من عظم التدريب وسمو التفكير عاجز عن الإحاطة بالكون. فنحن أشبه الأشياء بطفل دخل مكتبة كبيرة ارتفعت كتبها حتى السقف فغطت جدرانها، وهي مكتوبة بلغات كثيرة. فالطفل يعلم أنه لابد أن يكون هنالك شخص قد كتب تلك الكتب، ولكنه لا يعرف من كتبها ولا كيف كانت كتابته لها. . . . ثم إن الطفل يلاحظ أن هنالك طريقة معينة في ترتيب الكتب، ونظامًا خفيًا لا يدركه هو، ولكنه يعلم بوجوده علمًا مبهمًا. وهذا على ما أرى هو موقف العقل الإنساني من الله، مهما بلغ ذلك العقل من السمو والعظمة والتثقيف العالي" (١). ورغم تردده إلا أن الإعلان عن مثل هذا الموقف يُعدّ انعطافًا في مسيرة العلم المعاصر؛ لأن الظن قد ساد بأن العلم رديف الإلحاد، وأغلب رموز العلم في القرن (١٣ هـ - ١٩ م)، ومنظري الفلسفات الوضعية العلمية كانوا من الملاحدة، وأبرز المذاهب الفكرية شهرة كانت تقوم على الإلحاد، وهذه أمور كلها مؤشرات على صعوبة وجود عالم كبير يدلي بمثل الموقف السابق الذي يُشتمّ منه ريح الإيمان، على الأقل بوجود الله سبحانه، وأنه هو الموجد لهذا العالم، فقد كانت عقيدة علماء القرن الثالث عشر/ التاسع عشر -الوضعيين والماديين- بأن الطبيعة هي الموجدة لذاتها وعوالمها، وأنها تخبط خبط عشواء، وأن ذلك مردّه إلى الصدفة كما كان جواب "داروين" أحد أشهر علماء القرن، ولكن القرن الرابع عشر/ العشرين يُظهر جوابًا آخر وإن كان سيبقى ضبابيًا ربما لواقع الفكر والمجتمع الغربي آنذاك.

ولا شك أن جزءًا من نظرية النسبية وموقف صاحبها يُعدّ نقطه لصالح الفلسفة المثالية والمذاهب الدينية واللاهوتية وأهل الدين في المجتمع الغربي،


(١) أينشتين، مرحبا ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>