للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أنها نقلة كبيرة من قرنٍ أُلِّهت فيه المادة إلى قرن انتحرت فيه. وبدا الأمر وكأن نظرية الكم مع صاحبتها النسبية ترخّصان بدخول "العنصر العقلي أو الروحي في الكون الفيزيائي، بينما تدعو النظرية النيوتونية للكون الفيزيائي إلى استحالة ذلك. ومن المؤكد أن هذا لم يكن رأي نيوتن. . . ." (١). ويذكر "فرانك" أيضًا عن أحد الكتاب بأنه قدّم "البرهان الواضح على أن فيزياء القرن العشرين قد أعادت إلى الكون دور الروح الذي لفظه نمط الفيزياء النيوتونية"، وقد أورد هذا البرهان كثير من أصحاب الكتب والمقالات والمحاضرات، ومفاد البرهان أننا كما نشعر بأمور دون أن نعلم حقيقتها في نظرية الكم أو نظرية النسبية، وهذا يعني بأننا "لم نعد مضطرين إلى الاعتقاد بأن "المادة المتحركة" هي وحدها الشيء "الحقيقي". . . ."، وفي الوقت نفسه "فإننا لم نعد مضطرين إلى الاعتقاد بأن تجاوبنا مع الجمال، أو أن إحساسنا بالارتباط الخفي بالله ليس لهما نظير موضوعي. . . ." (٢).

وإذا نظرنا أيضًا إلى علماء الفيزياء في القرن الرابع عشر/ العشرين، وهم من يعوِّل عليهم التيار المادي في ماديته نجدهم قد مالوا في الغالب إلى الشق المثالي من الفلسفة، وهو وإن لم يكن مرادفًا للدين أو مساويًا له، فإنه على الأقل يشترك معه في إثبات وجود عالم خفي يؤثر في عالم الحسّ والمادة والشهادة (٣)، وذلك يمثل تحديًا كبيرًا للماديين، إذ سيقال لهم: إن أهم أدلتكم على مذهبكم المادي، وأقواها إنما يستند على الفيزياء خصوصًا، وهاهم علماؤها لا يميلون إلى ماديتكم وتأخذ بتصوراتهم الفلسفات المثالية والوضعية الجديدة، أتكونون علميين أكثر منهم؟!


(١) المرجع السابق ص ٢٩٠.
(٢) انظر: المرجع السابق، فرانك ص ٢٩٣ - ٢٩٤، ونجد مثل هذا الاستدلال شائعًا حول النظرية وبهذه الصورة، ويمكن صياغته بصورة أصح من الناحية الشرعية بحيث يقال: إن صحت مثل هذه النظرية بمفاهيمها، وهي تدل على عالمٍ مخلوق لا يمكن رؤيته وإنما يعرف بآثاره، فمن باب أولى صحة ما يستدل به المقرون بوجود الله سبحانه والمؤمنون به من معرفته سبحانه من آثاره ومخلوقاته، ويكون من قياس الأولى المعتبر.
(٣) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ٨١، الفصل الرابع، وانظر: الفيزياء والفلسفة، جينز ص ٢٦٧، وانظر: أسس المنهج القرآني في بحث العلوم الطبيعية، د. منتصر مجاهد ص ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>