جوفاء إلى دين السماء، ولكن الأمة الإِسلامية كانت في هذه المرحلة تمرّ بضعف شديد يستحي بعض أهلها من الاعتراف بإسلامهم أمام الغرب المتحضر في نظره فضلًا عن أن يدعو إلى دينه، ومنهم من انهمك في هذه المرحلة في تقليد أعمى لمذاهب ضالة وتحول من موطن الريادة والقيادة والدعوة والتبليغ إلى موطن التبعية والتقليد.
ومما ينبغي تذكره دائمًا بأن الإلحاد والمادية لا علاقة لهما بجوهر العلم، فالعلم ليس ماديًا ولا إلحاديًا، وإنما هو نشاط إنساني يمكن توجيهه هنا أو هناك، ومما يدل على ذلك بأن الاتجاه المادي والإلحادي قد أقام مذهبه هذا على فيزياء نيوتن من جهة آليتها -ميكانيكيتها- أو قيامها على المادة فقط، ولكننا نجد أن نيوتن نفسه لم يكن ماديًا ولا ملحدًا، وإنما ذلك كان من قبل الاستثمار الأيديولوجي المبني على الهوى لفيزياء نيوتن. وأغلب رواد الثورة العلمية من كوبرنيكوس إلى نيوتن لم يكونوا ملاحدة أو ماديين وإنما كانوا مؤمنين باصطلاحاتهم الغربية.
وأيضًا فإن الإيمان بالله سبحانه والإقرار بوجوده، وما يتبع ذلك من الالتزام بدينه والقيام بالعبودية الكاملة له سبحانه، مما لا يرتبط بالفيزياء أو الكيمياء أو الرياضة أو غيرها من العلوم. فهو بداية أمر فطري فطر الله الناس عليه، ثم هو أمر تقرّه العقول الصحيحة, ومع ذلك فإن الفطرة قد تطمس والعقول قد تضل؛ لهذا تكفّل الله سبحانه بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وكان خاتمهم محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك الحق وحده، وأما هذه العلوم فالصحيح منها إن لم يدل على ما أنزل الله من الهدى والحق فإنه لن يعارضه، وكل ما عارضه من علوم البشر فإما لخطأ فيها أو لسوء استثمار لها أو عدم معرفتها معرفة صحيحة.
ونقول هذا الكلام حتى لا يأتي من يقول بأن نظرية الكم مثلًا توافقت كثيرًا مع عقيدة الإقرار بالغيب؛ لكن جاء بعدها نظرية أخرى كشفت نقصها أو ضعفها أو خطأها، فهل يعني ذلك أن يترك الناس الإقرار بالغيب من أجل سقوط نظرية كانت تؤيده. وهذا الأمر يؤكد خطورة التساهل في التعامل مع النظريات العلمية التي لم تتحول إلى حقائق قطعية يقينية في الأبواب الدينية، وربما تكون السلامة في ظل ما يُسمى بـ"الحقائق العلمية النسبية" التوقف كثيرًا حتى مع تلك التي اشتهر عنها بأنها حقائق قبل استثمارها دينيًا؛ لأن قيمة الحقيقة إنما اكتسبتها من