أهل دائرة العلم، ولا يستطيع غيرهم التأكد من صحتها؛ لأن الناس في باب النظريات المعاصرة تبع للعلماء، يثقون بكلامهم دون قدرة الناس العاديين من التأكد والتوثق من صحتها، فمن يستطيع مثلًا التحقق من نظرية النسبية العامة.
ويستدعي هذا النقاش التحذير من مواقف متساهلة ظهرت على السطح الإِسلامي يقوم أصحابها بأمرين خطيرين -إن لم يُبنَيا على علم وبصيرة- وهما: التفسير العلمي لنصوص الوحي أو بيان الإعجاز العلمي فيها. وعلى قدر ما أشعر بجلالة الأمر الذي يقومون به وسموّ مقصدهم ونبل غاياتهم؛ إلا أن التساهل في هذا الباب قد يُفسِد أكثر مما يصلح، وإنما ذكرت هذه الملحوظة هنا لشيوع الاستثمار الديني لمثل نظرية الكم.
وعندما أعرض للصدمة التي تعرض لها الاتجاه المادي والإلحادي، فإنما أقدم صورة من صور الاستثمار غير المشروع للعلم ونظرياته ومفاهيمه ومناهجه، وأن ذاك الاستثمار قد ضُرب من معاقل العلم ذاتها، وهذا النوع مما له ثمرة في التحليل النقدي وبيان الانحرافات المرتبطة بالتطور العلمي عندما يساء استخدامه.
وخلاصة القضية الأولى بأن الاتجاه المادي والإلحادي قد تزعزعت منظومته الفكرية المستندة للعلم، ففقد الحجج التي كان يستند عليها. فإن أراد الملحد الإصرار على الإلحاد فلا سند له من العلم، ولهذا نجد التيارات الإلحادية الجديدة بعيدة عن ميدان العلم بخلاف تيارات القرن السابق، وهذا لا يعني قلة الإلحاد ولكن سنده العلمي قد ضعف.
الثانية: اللاحتمية أو اللايقين وأثرها في إضعاف المذاهب الحتمية الجامدة:
من بين أشهر القضايا التي أشغلت الفكر الغربي قضية حرية الإرادة، وحرية الإرادة قضية مرتبطة بالإنسان، هل هو حرٌّ مختار أم أنه لا يملك حريته واختياره؟ وهذه المسألة ليست جديدة، فهي مسألة شائكة في كل الأمم، والاختلاف حولها كبير، وغالبًا ما نجد في كل أمة الانقسام المشهور بين اتجاه ينحى منحى مذهب الجبرية، وآخر ينحى منحى مذهب القدرية، وهي مسألة ترتبط بالإيمان بالقدر عند المسلمين والإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وتحقيق توحيد الربوبية. وقد سلك الفكر الغربي الحديث أول أمره مسلك الحتمية الشبيه بالمذهب الجبري، مستندين في ذلك إلى دائرة العلم ذاته، فهم يرون بأن قوانين نيوتن