للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عن الثاني: "ثم إن هذه العلوم الشرعية النقلية قد نفقت أسواقها في هذه الملة بما لا مزيد عليه، وانتهت فيها مدارك الناظرين إلى الغاية التي لا شيء فوقها، وهُذبت الاصطلاحات ورُتبت الفنون، فجاءت من ورا الغاية في الحسن والتنميق" (١)، أما البشري منه فهو الذي يواصل البشر فيه جهدهم من أجل الانتفاع به في شؤون دنياهم.

° العلم الحديث ونظرياته:

يدخل العلم الحديث في باب العلوم البشرية العقلية التي مصدرها العقل البشري، ومن قَدَر الله أن جعل لهذا النوع شأنًا كبيرًا في القرون الثلاثة الأخيرة، وأن يجعل لأوروبا شأنًا كبيرًا في رعايته وتطويره بصورة لم يعرف البشر لها مثيلًا، لدرجة أن أصاب طائفةً منهم غرورٌ عظيم فكفروا بكل دين، ووقعوا في أعظم صور الإلحاد، وأصاب طائفة فتنةٌ عظيمةٌ فأهملوا الدين وأهملوا شأن الآخرة، فانطبق فيهم قول الحق -تعالى-: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم: ٧].

تعود جذور العلم الحديث إلى عدد من الحضارات ولاسيّما الحضارة الإِسلامية، فكما أن علماء الحضارة الإِسلامية قد بلغوا في العلوم الدينية ذروتها فقد وضعوا أيضًا بصماتهم المهمة على العلوم الدنيوية، فطوروا بعضها وصححوا بعضها، وصاغوا منهجها في صورته التجريبية، وأصبحت لغة العلم في عدد من القرون هي العربية (٢)، قال شيخ الإِسلام -رحمه الله-: "فما من خير يوجد عند غير المسلمين من أهل الملل: إلا عند المسلمين ما هو أكمل منه، وعند أهل الملل ما لا يوجد عند غيرهم، وذلك أن العلوم والأعمال نوعان: "نوع" يحصل بالعقل كعلم الحساب والطب، وكالصناعة من الحياكة والخياطة والتجارة ونحو ذلك، فهذه الأمور عند أهل الملل كما هي عند غيرهم؛ بل هم فيها أكمل، فإن علوم المتفلسفة من علوم المنطق والطبيعة والهيئة وغير ذلك من متفلسفة الهند واليونان، وعلوم فارس والروم؛ لما صارت إلى المسلمين هذبوها ونقحوها؛ لكمال عقولهم وحسن ألسنتهم، وكان كلامهم فيها أتم وأجمع وأبين، وهذا


(١) المرجع السابق ٣/ ١٠٢٧.
(٢) موسوعة تاريخ العلوم العربية، إشراف رشدي راشد ١/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>