للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرفه كل عاقل وفاضل. . . ." (١). وهذا الدور المهم قد أهملته دراسات كثيرة، ومع ذلك فإن الغرب قد كان له شأن يختلف عن الشأن الذي كان للمسلمين، فقد وقعت أحداث كبار داخل الحضارة الغربية الحديثة تسببت بوقوع ذاك الفصام النَّكِد بين علوم الدين وعلوم الدنيا، ومن ثمّ الاعتناء فقط بعلوم الدنيا، ونبذ العلوم الدينية أو النظر إليها من منظور علماني، كما أن العناية بالعلوم الدنيوية كانت وفق رؤية علمانية لا دينية، مما أثر كثيرًا على مسيرة العلم الحديث، وأثر أيضًا على الدين (٢).

لقد بدأت النظرة إلى مفهوم العلم ودوره تتغير، ولاسيّما بعد التطورات المهمة التي لحقت بالعلم الطبيعي والرياضي داخل أوروبا، فقد أصبح العلم الذي يصح أن يطلق عليه اسم العلم هو العلم العقلي الدنيوي -ولاسيّما الرياضي والطبيعي- "حتى طار في الناس أنه لا عقلانية إلا بتحصيل الوصفين التاليين: "التجريب" و"الترويض"" (٣)، وأصبح مصدر المعرفة هو الاستنباطي والاستقرائي مع استبعاد الوحي، واكتُفي بالشهادة المرتبطة بالبصر مادةً علميةً، وأُهمل الغيب المرتبط بالسمع، وفُعِّلَ منهج التجريب، يقول كارناب: "من أهم الملامح التي تميز العلم الحديث، بالمقارنة بعلم العصور المبكرة، هو تأكيده على ما يمكن أن نطلق عليه اسم "المنهج التجريبي"" (٤) من أجل السيطرة على الطبيعة، وأُهمل شأن التوجيه الديني والقيمي لطريقة هذه السيطرة، وظهرت مفاهيم المنهج العلمي مثل الملاحظة، والتجربة، والفرضية، والقانون العلمي، والنظرية العلمية، والتفسير العلمي، والاستقراء، والاستنباط، والعلية، والحتمية، والطبيعة. . . . وغيرها من المفاهيم، وتُعد النظرية العلمية الأكثر أهمية في هذا الباب والأكثر إشكالًا.

عند البحث في الكتابات العربية المعاصرة حول تعريف العلم نجد كثيرًا


(١) الفتاوى ٤/ ٢١٠ - ٢١١ وانظر: العمل المهم الذي أشرف عليه رشدي راشد بعنوان: (موسوعة تاريخ العلوم العربية) بأجزائه الثلاثة، وانظر: أسس المنهج القرآني. . . .، د. منتصر مجاهد ص ٩٠ - ١٢٠، وانظر: الإِسلام والعلم التجريبي، د. يوسف السويدي ص ٢٠ وما بعدها.
(٢) سيكون هذا -بإذن الله- موضع تفصيل في الفصل الأوّل من الباب الأوّل.
(٣) سؤال الحداثة. .، طه عبد الرحمن ص ١١٣.
(٤) الأسس الفلسفية للفيزياء، رودلف كارناب ص ٥٥، ترجمة د. السيد نفادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>