وقد أُعجب الكثير من المسلمين بهذه المدرسة الناشئة بسبب مواجهتها للمشكلات الثقافية النازلة، واستقطبت أغلب العلماء والمفكرين والقيادات الإِسلامية في مصر والشام وبلاد المغرب فضلًا عن بلاد غير عربية كالهند ومسلمي جنوب شرق آسيا، وقد كان للشيخ "محمَّد رشيد رضا" أثره المشهود في إبراز هذه المدرسة عبر مجلته المشهورة "المنار" حيث كان لسان حالهم الإعلامي أول القرن الرابع عشر، وأصبحت البديل عن الأزهر على الأقل في باب التعامل مع العصر ومع الوافد الفكري والثقافي والعلمي.
وكل متأمل لتاريخ الفتن والمشكلات التي تعصف بالأمة يلاحظ وجود تيار يتحاشى المواجهة؛ ويعود السبب غالبًا إلى عدم القدرة، وهو وإن آثر السلامة، إلا أنه فشل في معالجة المشكلة مما جعل المصطلين بنارها يفقدون ثقتهم بمثل هؤلاء ويبحثون عن غيرهم، عندها يظهر تيار آخر يواجه المشكلة، وهو مشكور على شجاعته ومبادرته، والمهم بعد ذلك التأكد من سلامة موقفه؛ لأنه في الغالب لا تأتي المواجهة بشكل سليم أو كامل، فأي معركة قد يصاحبها في بدايتها بعض الأخطاء، فلا يصح من اللاحق متابعة السابق في ذلك.
ومن ذلك حال هذه المدرسة "مدرسة الأفغاني ومحمد عبده"، فإن المسلمين وإن فرحوا بها في وقتها, ولقيت الترحيب والإشادة من أغلب قيادات الفكر الإِسلامي، فإنها تحتاج إلى فحص وتحليل، فنستثمر مواقفها الإيجابية ونتجاوز أخطاءها، وقد ظهر لكثير من أهل العلم والفكر فيما بعد بأن هذه المدرسة قد وقعت في أخطاء جسيمة في التصور والمنهج والتطبيق، وأن واجب من بعدهم يتحقق بتجاوز تلك الأخطاء، وسنتعرف عليها في الفصل القادم بإذن الله.
نعود إلى وضع المؤسسات العلمية مع ظهور الهزة التي أحدثتها المدرسة الجديدة والتي يطلق عليها البعض فيما بعد بالمدرسة العصرانية، حيث كانت العلاقة بينها وبين الأزهر علاقة متوترة؛ فإن المدرسة قد شكلت مرتكزًا جديدًا للعلم والفكر، ومصدرًا آخر غير الأزهر، ومع أن الشيخ محمَّد عبده كان يُدرّس في الأزهر، ألا أنه كان يتخذه كموقع للعمل دون انتماء حقيقي للأزهر (١)، ومع
(١) له كلام شديد عن الأزهر ذكره محمَّد رشيد رضا في ترجمة الشيخ، انظر: ملخص سيرة الأستاذ الإِمام، مجلة المنار ٨/ ٣٧٩ سنة (١٣٢٣ هـ -١٩٠٥ م).