بروز أحداث سياسية دخلت على المنطقة سواء داخل الأسرة الخديوية أو مع وجود تيارات متنافسة أو مع ظاهرة الاستعمار المتحكم فعلًا بإدارة البلاد تحول معها الأزهر إلى إحدى الساحات للمعارك، داخل الأزهر بين التيارين القديم والجديد، أو بين الأزهر وبين المؤسسات العلمية الجديدة المنافسة له ومنها دار العلوم التي تُدرس فيها العلوم العصرية فضلًا عن علوم الشريعة واللغة، أو بين الأزهر والسياسة سواء كانت السياسة الخديوية أو سياسة المستعمر، فمثل هذه الأحداث جعلت التوتر هو سيد المعالجة، والمعالجات النابعة عن صراعات لا تكون عادة مكتملة أو سليمة لخضوعها لمشكلة الصراع والمساومات (١).
ربما لم يكن ما جذب الناس إلى مدرسة الأفغاني هو مقدرتهم العلمية؛ فإن في الأزهر مِنَ المتبحرين في علوم الشريعة واللغة مَنْ هو أكثر منهم علمًا، ولكن ما جذب الناس لهم هو مقدرتهم على مواجهة المشكلات وخوض غمار التحديات، وتسكين اضطراب الشباب وتهدئة عقولهم بعد أن أصابها ما أصابها، مع ما يحملون من دعوة إلى إصلاح أحوال المسلمين واقتناعهم وإقناعهم للآخرين بقدرتنا على ذلك، ولكنهم شكلوا بذلك خطًا منافسًا للأزهر، وإن كان سينجح فيما بعد في اقتحام الأزهر وكثير من مؤسسات العلم الإِسلامي كجامع الزيتونة وجامع القرويين وقيادات علمية وفكرية في الشام وغيرها.
فإذا كان الأزهر قد تحاشى مواجهة المشكلة واكتفى بتكرير الفتوى، فإن مدرسة "الأفغاني". واجهت المشكلة، ولكنها كانت مواجهة ناقصة من جهة وخاطئة في بعض جوانبها من جهة أخرى. فهي وإن أثبتت قدرتنا على التفاعل الحضاري ومواجهة العالم المغازي لنا بفكره وعلمه وثقافته وحضارته، فإنها -وربما بسبب ظهورها وسط المشكلات- قد أُخذ عليها المبالغة في استخدام التأويل من أجل إثبات التوافق بين الدين والعلوم الجديدة، مما حولها في نظر الناقدين إلى مدرسة تحاول تطويع النصوص لمستجدات العصر الفكرية والعلمية.
وخلاصة التطورات حول ما سبق أنه أصبح هناك مصدران للتوجيه، مصدر
(١) هناك كتب عن الأزهر وعلاقته بتلك الصراعات، منها: الأزهر على مسرح السياسة المصرية، دراسة في تطور العلاقة بين التربية والسياسة، د. سعيد إسماعيل، الأزهر. . . . فوللرس، ترجمة عبد الحميد وصاحبيه، الأزهر في ألف عام، د. بيارد دودج، ترجمة د. حسين فوزي، الأزهر ومشاريع تطويره، مخلص الصيادي.