للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن هؤلاء العلماء قد اطلعوا على العلوم الوافدة ودرسوها واطلعوا على المشكلات المثارة فشاركوا في علاجها بمنهجية جديدة تبتعد عن طريقة أهل الموقف الأول المحافظ السلبي أو الموقف الثاني المتساهل في إعمال منهجية التأويل، وليس الآن موطن بيان طريقتهم فموضعها الفصل القادم بإذن الله، ولكن جاء ذكرهم هنا لننظر إلى مشكلة المؤسسات العلمية.

فإذا كان الأزهر قد أصرّ على موقف سلبي إلى حدٍ ما فإن مدرسة محمد عبده قد نجحت في اقتحام الأزهر وفرض إصلاحات عليه، منها إدخال بعض العلوم العصرية فيه، كما أن أصحاب المنهج السلفي أو المتأثرين بعلمائه، ولاسيّما شيخ الإِسلام ابن تيمية قد حاول أحدهم وهو الشيخ محمد رشيد رضا تأسيس مدرسة جديدة لم تستطع التخلص من الجو المحيط بها، إلا أنها حاولت قدر الاستطاعة تجاوز أكثره.

وهكذا سار الوضع أغلب القرن الرابع عشر الهجري في مراكز العلم الإِسلامي، فإذا كان نموذج محمد عبده قد نجح في الأزهر، وكذا في كثير من المعاهد التاريخية المشهودة كالقرويين والزيتونة وكذا مدارس الشام فنجد الشيخ "الحجوي" في جامع القرويين (١)، والشيخ "الطاهر بن عاشور" في الزيتونة (٢)، وغيرهما، والحق يقال بأن هؤلاء، وإن كان "الأفغاني وعبده" مرجعية مهمة لأغلبهم؛ إلا أنهم قد أضافوا إلى ذلك تأثرهم واستفادتهم من أعلام سلفيين، ولاسيّما شيخ الإِسلام ابن تيمية وكذا ابن القيم وغيرهما، مما جعل طلاب تلك المعاهد يألفون منهج أعلام السلفيين ويستفيدون من علمهم وكتبهم ومنهجهم بعد أن كانت كتب ابن تيمية من المزهود فيها وغالب ذلك من جهلهم بهذا العالم (٣).


(١) انظر: الفكر الإصلاحي في عهد الحماية (محمد بن الحسن الحجوي نموذجًا)، آسية بنعدادة.
(٢) انظر: شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور حياته وآثاره، د. بلقاسم الغالي، الباب الأول.
(٣) انظر لقصةٍ طريفة ذكرها الشيخ "محمد الباني" مع عالم الشام في وقته الشيخ "بكري العطار" عندما احتال عليه بقراءة كتاب ابن تيمية: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وما إن قرأ عليه صفحات حتى شغف به وأمر الباني بابتياع نسخة منه وأخذ يطريه ويرشد تلامذته إلى اقتنائه مع أنه كان قبل ذلك لا يحب الاطلاع على كتب ابن تيمية، فانظر: انقلابه =

<<  <  ج: ص:  >  >>