الاتجاه الثاني: الاتجاه العصراني الذي تأثر ببعض الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث وسلّم بعدد منها، ووقع في مشكلة ما يتوهمه من تعارض بين الدين والعلم الحديث، فاضطر أصحابه إلى تحريف النصوص الشرعية والقضايا الدينية من أجل موافقة العلم، ودعوا إلى مواصلة طريقة المتقدمين من أهل الكلام وغيرهم، فكما قدّم أهل الكلام العقل على النقل عند توهم التعارض، فقد تساهل هؤلاء في تقديم العلم الحديث على النقل وتأويل النقل عند توهم التعارض أيضًا.
الاتجاه الثالث: الاتجاه التغريبي وهو الاتجاه الذي تحمس لكل ما في الغرب أو أغلبه، بما في ذلك العلوم الحديثة ومناهجها ونظرياتها بما فيها من خير وشر، حتى تلك التي تتعارض بوضوح مع ديننا وعقيدتنا، ولم يفرقوا بين الصحيح منها والفاسد، ثم إن منهم من يرى أهمية إعادة النظر في الدين حتى يتوافق مع العلم الحديث، على أن المقدم عندهم هو العلم بلا منازع، وإنما جاء الاعتبار للدين عندهم من أجل تلبية احتياج الجماهير للدين أو أنّ الدين يخص الجانب الروحي والأخلاقي، وفيهم الغالي الذي يرى أهمية تجاوز الدين والاكتفاء بالعلم؛ لأنّ الدين -بزعمه- كان يمثل مرحلة الخرافة التي تمّ تجاوزها إلى عصر العلم.
وهذا الانقسام المشهور حول الموقف من العلم الحديث ومناهجه يكشف أهمية هذه المسألة في واقع المسلمين اليوم، وأهمية دراستها وبحثها.
العلاقة بين الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث والفكر التغريبي العربي المعاصر:
من يتأمل في واقع المسلمين اليوم يجد أنَّ من أبرز الانحرافات شهرة هو ظهور الانحراف الفكري المعاصر متمثلًا في دعوات ومذاهب فكرية تغريبية منتشرة هنا وهناك، ومن أهم أسباب ظهور الانحراف الفكري التأثر بالوافد الغربي بأشكاله المختلفة؛ ذلك أن الفكر العربي المعاصر تكون في ظل ظروف استثنائية مما مكّن لكثير من المؤثرات أن تسهم في تشكيله، ومن أهم تلك المؤثرات ما جاءنا من الغرب، ولا يخفى على أي باحث حجم ذلك التأثير الذي مارسه الوافد الغربي على الأمة الإِسلامية.