واسعة بعناصر القوة داخل المسلمين أمدّهم بها جيوش جرارة من المستشرقين وتركة كبيرة تراكمت عبر قرون حول الإِسلام بشكل مشوّه وخطير.
عندما دخل الاستعمار بلاد المسلمين واستقرّ أمره بدأ يمارس أدواره التفتيتية للمجتمع، ومنها قيامه على شؤون التعليم، فقسم التعليم إلى قسمين محدثًا بذلك أخطر شرخ في منظومة التعليم وصانعًا بذلك ازدواجية -وإن تقبلتها أمم أخرى- يصعب تقبلها داخل النظام الإِسلامي:
القسم الأول: التعليم الإِسلامي - الشرعي، فجعله تحت إدارة المسلمين مع التدخل في شؤونه عند الحاجة، ووضع على رئاسته من يتوافق مع هوى المحتل، فضلًا عن حرمانه من شروط حيويته ونشاطه وقوته واستمراره.
القسم الثاني: تعليم حديث تُدرس فيه تخصصات حديثه تشابه في الظاهر النظام الغربي وتختلف عنه في الباطن، فهذا النوع تحت إدارة المحتل مباشرة، الإدارة والأساتذة والمناهج وكل شيء، ورمى الاستعمار بثقله في هذا النوع، مؤملًا من ذلك أن يصنع جيلًا يوالي الغرب ويقبل التبعية له ويقوم بالنيابة عن المحتل في إدارة الحياة بما يمليه عليه أسياده.
لا شك أن الاستعمار قد حقق الكثير في القسمين، في ضغطه على الأول وفي أمنياته من الثاني، ولكن في الوقت نفسه كان في الأمة من سار على عكس رغبات الاستعمار، فجاهد بعضهم في حماية التعليم الإِسلامي مما يُخطَط له، وخرج من القسم الثاني من انقلب على الاستعمار وإن درس في مدارسه وتغذى بتربيته، وربك حكيم عليم ولطيف بهذه الأمة، فخرج من تلك المدارس الاستعمارية من انقلب عليها، وعاد إلى أمته مستلهِمًا الدين في نشاطه وحركته ومقاومته، فانقلب السحر على الساحر.
لقد شاهدنا التجربة الاستعمارية الأولى الحديثة في المغامرة الفرنسية على مصر، ورأينا أن "بونابرت" قد اصطحب معه "حملة علمية" في ظاهرةٍ لم تكن تعهدها الجيوش الغازية المحتلة، واطلعنا على الحي الخاص بهم في القاهرة بعد أن طَرَدوا أهله، وجعلوه مقرًا لتلك الحملة العلمية، فأنشأت مكتبتها ومجمعها العلمي وصالات البحث وغرف المختبرات العلمية ومنازل الفريق العلمي، كل هذه المؤشرات تدل على حرص الجيوش الاستعمارية على استثمار الجانب العلمي الجديد. وإن كانت الحملة قد فشلت وخرجت من مصر، إلا أنها عادت